
كتبت شيماء الخطيب لموقع بِكَفّيكم؛ بعد طول غياب، تعود أزمة النزوح السوري إلى الواجهة في لبنان، مع المنحة التي عرضها البرلمان الأوروبي على الحكومة لمنع هجرة اللاجئين غير الشرعية إلى أوروبا.
القصة بدأت عندما قرر الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليديس، الهبوط في لبنان، بداية شهر نيسان الماضي، للتعبير عن انزعاجه من الهجرة غير الشرعية للسوريين إلى قبرص، عبر السواحل اللبنانية. بعدها، جلب خريستودوليديس معه إلى لبنان، رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين التي أعلنت عقب لقائها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، عن حزمة مالية بقيمة مليار يورو، ستكون متاحة بدءً من هذا العام حتى الـ2027. وتهدف هذه المساعدة على حد تعبير دير لاين، إلى المساهمة في استقرار لبنان الاقتصادي والاجتماعي ودعمه لضبط الحدود البرية والبحرية.
أدى هذا الأمر إلى ردة فعل شعبية وسياسية رافضة للقرار الأوروبي، واستطاع جميع النواب اللبنانيين، الذين رفضوا الاجتماع لانتخاب رئيس للجمهورية، الإجتماع تحت قبة البرلمان لمناقشة هذه القضية والتي نتج عنها إجماع “فريد من نوعه” لضرورة إرجاع اللاجئين إلى المناطق الآمنة في سوريا.
في السياق، استأنفت الدولة اللبنانية، تدابير العودة الطوعية للنازحين غير الشرعيين إلى الأراضي السورية، بعد توقيفها منذ العام 2022.
يصل العدد الفعلي للنازحين السوريين في لبنان حوالي مليوني لاجئ، 800 ألف منهم مسجلين لدى الأمم المتحدة، وتشهد أوروبا مؤخراً، خصوصاً قبرص واليونان تدفقًا كبيرًا للقوارب غير الشرعية إلى شواطئهم. لذلك، ولتجنب تفاقم عدد السوريين على أراضيهم قرروا إعطاء المساعدة للبنان، بهدف منع هؤلاء من الوصول إلى الأراضي الأوروبية، ولكن لماذا ترفض خروجهم من لبنان؟
البعض يقول إن للدول الأوروبية مصالح لإبقاء السوريين في لبنان، الأبرز العمل على توطينهم هنا بدل أخذهم إلى بلد ثالث، وهذا يسلط الضوء على مخاطر كبيرة، وهي تهديد التوازن الطائفي والتوزيع الديموغرافي في البلد.
فإذا تعمقنا قليلاً بالموضوع، نرى أنّ معظم اللاجئين السوريين في لبنان هم من الطائفة السنية، ولذا إذا تمّ توطينهم فعلياً، ستصبح هذه الطائفة هي الاكثر في لبنان، الأمر الذي يخيف الأحزاب اللبنانية وخصوصاً المسيحية منها، التي تجاهر دائماً بدفاعها عن حقوق “الطايفة”.
اما المشكلة الاخرى الخطيرة التي تلوح بالأفق هي مسألة “مكتومي القيد” فهناك العديد من الولادات التي حصلت في لبنان منذ بداية الأزمة السورية، والأطفال الذين ولدوا في هذه الفترة غير مسجلين لدى الدولة السورية وكذلك الأمر في لبنان، إلا أنّ المنظمات الأممية ووزارة الشؤون الاجتماعية يسعون إلى تسجيلهم لتجنب هذه المشكلة. لكن الأمر مخيف من ناحية تجاوب الدولة السورية في هذا الملف من عدمه.
فوجود السوريين في لبنان أيضاً قد يخدم مصالح بشار الأسد، الذي يمكن أن يستخدم الأمر كورقة ضغط من ناحيتين أساسيتين: الأولى هي بقاؤه في الحكم، أما الثانية فهي كسر الرفض الأوروبي له ومحاولة إسقاط قانون قيصر عنه، بحجة عدم قدرة الدولة على تحمّل أعباء عودة هذا العدد، في ظل تداعيات هذا القانون.
في المقابل، يرى البعض أن المليار دولار التي عرضتها المفوضية الأوروبية على لبنان هي “رشوة” بغير جدوى. إذ أنّه إذا اطلعنا على الجانب الاقتصادي منها، بحسب المعلومات، المليار يورو ستتقسم على أربعة سنوات أي 250 مليون يورو سنوياً، إلا أن احتياجات الحكومة الشهرية تفوق الـ200 مليون يورو شهرياً، بالإضافة إلى ذلك فإنّ كلفة اللجوء السوري المباشرة وغير المباشرة على الدولة اللبنانية تقدر ببضعة مليارات من الدولارات، بما معناه أنّ هذه المساعدة غير كافية و”ضحك على الدقون”.
في الوقت نفسه، لفت الرفض اللبناني الجامع لإبقاء السوريين هنا أنظار بعض الدول الأوروبية، إذ اتفقت ثماني دول أوروبية خلال قمة عقدت الجمعة 17 أيار في قبرص على إعادة تقييم الوضع في سوريا، باعتبارها الطريقة الأكثر فعالية للتعامل مع أزمة اللاجئين. هذه الدول هي النمسا وجمهورية التشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا، وقالت في بيان عقب قمة نيقوسيا إن الوضع في سوريا تغير كثيراً على الرغم من عدم تحقيق الاستقرار السياسي الكامل.
يقول أحد المسؤولين القبرصيين إن إعادة تقييم الأوضاع داخل سوريا لا تعني بالضرورة ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم، إلا أنّ اللاجئين السوريين القادمين من المناطق التي أعيد تصنيفها على أنها آمنة سيفقدون البدلات والمزايا والحق في العمل.
إذاً، أزمة اللجوء السوري في لبنان هي أزمة معقدة وخطيرة خصوصاً مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد، وكان الأجدى ضبط الحدود اللبنانية منذ بداية الأزمة بدلاً من “عضّ الأصابع ندامة”. اما السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما سبب إحياء هذا الملف في هذا الوقت تحديداً؟



