خاصمقالات

خاص بِكَفّيكم| لبنان وفلسطين: البحث عن عنوان

خاص بِكَفّيكم| لبنان وفلسطين: البحث عن عنوان

كتبت سالي زين لموقع بِكَفّيكم، طو-فان الأق-صى يواجه في يومه الحادي عشر السيوف الحديدية، يرافقه طوفان بشري ويتغير معه إيقاع الزمن، ربما ليكتب مصيرًا مختلفًا محليًا وإقليميًا وعالميًا. وعلى أنقاض إس-رائيل ينطلق فجر جديد، وتصبح غزة هي العنوان، والمبتدأ، والخبر.

أمام مشهد لم يسبق له مثيلٌ، تتراجع العناوين اللبنانية المقلقة، وينتقل هاجس المواطن من الأزمات التي يعيشها، إلى خوف من احتمال وقوع حرب شاملة ومفتوحة فوق كل ما يعانيه. فالتطورات الميدانية تتسارع من غز-ة إلى الحدود الجنوبية مع فلس-طين الم-حتلة، ومعها تتزايد البلبلة وعلامات الاستفهام حول مستقبل الوضع في المنطقة. فما هي السيناريوهات والانعكاسات المحتملة في لبنان؟ وما مدى خطورة انتقال الوضع الأمني السائد في غزة إلى داخل أرضه؟

معركة طو-فان الأق-صى هي عملية عسكرية شنتها حركة حما-س في قطاع غز-ة عبر عصبها العسكري، كتائب الق-سام، في أولى ساعات الصباح يوم السبت 07 تشرين الأول 2023، على خلفية انتهاكات المحتل لمحيط المسجد الأق-صى المبارك واعتداءاته الدائمة على المواطنين في القد-س والضفة الغربية وغيرها. بفعل ذلك تسارعت التضامنات عالميًا مع القضية التي توالف على عمرها دهرًا من العقود.

وعلى إثر ما حدث، تتجه الأنظار إلى الجبهة الشمالية من أراضي فلس-طين المحتلة، ويبدو مشهد حز-ب الله على الحدود اللبنانية الجنوبية مألوفًا للبنانيين عامةً وللطائفة الشيعي-ة خاصةً، لكنه مثيرٌ للجدل أكثر من كل مرة، فعلى إيقاع وقوف نص-ر الله إلى جانب النظام الس-وري في المعركة ضد المعارضة ودا-عش وجب-هة النص-رة يتوقع اللبنانيون احتمالات مواجهة قاسية. أمام ذلك تعتبر اللقطة المفاجِئة اليوم هي ما يجري أمام السفارة الأمريكية في عوكر.

حتى الآن، يقع لبنان ضمن قواعد الإشتباكات التقليدية التي اعتدنا أن نراها كل فترة بين الطرفين، ونقصد بذلك؛ الفعل ورد الفعل والاكتفاء بذلك. إذًا، ليس هناك اختراق أو تجاوز للحدود العادية، في حال تصعيد كليهما إلى مستوى أخطر، يصعب التكهن كيف ستجري الأمور.

في الواقع، الملاحظ أن لبنان يحاول أن لا يقترب من المواجهة المفتوحة، وهناك عمليات ضبط للنفس يمارسها حز-ب الله قبل الإرتقاء إلى أي خطوة مفصلية، ومن الممكن أن يكون ما تشهده الحدود هو فقط بمثابة سعي من المقا-ومة الإسلامية في لبنان إلى توجيه رسالة مبطنة لتخفيف الضغط على غ-زة ضمن تكتيك بث الحيرة والرعب والتشتيت لدى العدو، بحيث يصعب على الأخير إستحداث تكتيكات عسكرية حديثة خلال حربه.

من جهة ثانية، ترتفع تدريجيًا نسبة إحتمال ذهاب لبنان نحو حصول صدام على أرضه.

نتن-ياهو يعلن الحرب وجيش الإحتلال يستجيب بع-نف مبيد، وبالتالي يعلن عن طلب التجنيد الإجباري ولو من مختلف الجنسيات. أما الحز-ب يمتلك قوة صار-وخية وقيادية وعسكرية وبنىً تحتية ضخمة جدًا يحذر بها الص-هيوني من الإستفراد بالمقا-ومة الفلس-طينية التي تحقق تقدمًا تاريخيًا لا يمكن التغاضي عنه، في حين قد يصل لتحقيق أهداف غير متوقعة تتطابق كليًا مع أهداف المقا-ومة. فقد صرح حز-ب الله في بيانات له أنه: “طالما أن غزة قادرة على إدارة المواجهة لن يتدخل عسكريًا”، فهنا يطرح السؤال نفسه: هل يعني هذا أنه سيتدخل بحال فقدت السيطرة والقدرة؟

كما أن التفاهم الذي يجري من أجل انتخاب رئيسٍ للجمهورية في لبنان يعتبر النقطة اللافتة.

إن استخدام الطائرات الشراعية مفهوم جديد في الحرب، ابتكرته حما-س ولقنته درسًا حديثًا للشعوب التي لم ترَ ذلك إلا على شاشات الألعاب الإلكترونية كال(pubg)، وبذلك تعد أنها صنعت إنجازًا مميزًا في هذه الإنتفاضة. فجميع الأطراف اليوم ضعيفة أمام قرار الحرب، أما إس-رائيل، فنراها لم تخرج عن الصورة الإعتيادية لها في الق-تال، لا بل يمكن القول أنها خرجت عنها ليل أمس الموحش بارتكابها مجز-رة مستشفى المعمداني عندما تحولت الحرب إلى مؤتمر أطباء يعقد فوق آلاف الجثث؛ الأمر الذي لم نبصره قط في أفلام الرعب. إنها تمارس الإبا-دة الجماعية ولا أدري إن كان ذلك يسمى نصرٌ أم لعنةٌ. وبطبيعة الحال، هنا يدخل ملف التطبيع مرحلة الخطر ويفتح على نفسه باب الضرر على مصراعيه. أما سماء لبنان فلم تعد تحتمل رصاصةً طائشةً حتى، وواقع اللبنانيين مؤلم يعيش حربًا باردة منذ سنوات. ورغم أنني أشعر للمرة الثانية على التوالي، بعد ثورة 17 تشرين الأول 2019، بأن نشرات الأخبار بات لها قيمةً خاصة ورهجةً تشبه رهجة تلك الثورة، مليئةً بالأمل وتحقيق المستحيل، إلا أننا مجبرون أن نتصور مشهدية لبنان حالما وقعت الحرب.

بكل بساطة، الأمر سيكون أشبه بلوحة تموز 2006، فستطال الحرب مبدئيًا المناطق التي يتمركز فيها حز-ب الله و الثنائي الشي-عي، لكن ما هو مثيرٌ هذه المرة هو وهج الشرارة الطائفية في الشارع بين عامة المواطنين والذي لم يسبق أن رأيناه مشحونًا بهذا الكم. وذلك تأثرًا بالإحداثيات المتتالية مؤخرًا من الثورة إلى إنفجار مرفأ بيروت، وأحداث الطيونة، وانقلاب شاحنة الأسلحة على طريق عاليه وغيرها.. فهل سيجد اللبناني مأوىً؟ أم سنشهد حربًا داخل حرب؟ أم سنستسلم كغ-زة للتفتيك الذي سيحل بنا؟

إذا اطلعنا على أبعاد ذلك، لن نرى سوى إحدى هذه الإحتمالات بالإضافة إلى كوارث اقتصادية واجتماعية وصحية وديموغرافية وبيئية، وأرقامًا قياسيةً في معدلات الهجرة، في بلد مفلس، تلوثه يقتلنا يوميًا، لا نستطيع فيه حتى شراء الدواء، يعيش على دعم مغتربيه ويتمسك بأبنائه.

مسرح المبارزة لم يحن انتهاء توقيته وانحساره حتى الآن، ومع كل يوم نتوقع فيه أن تطفئ الحرب مصابيحها، نعجب بمستجدات أسوأ. فماذا بعد؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com