خاصمقالات

لبنان على اللائحة الرمادية!

خاص بِكَفّيكم: هبوب الرياح الرمادية .. عاصفة من العواصف الاقتصادية التي تضرب لبنان

خاص بِكَفّيكم: هبوب الرياح الرمادية .. عاصفة من العواصف الاقتصادية التي تضرب لبنان


لبنان على اللائحة الرمادية!

كتبت نرمين ظاظا؛ لبنان على اللائحة الرمادية! – بعد ليالٍ سوداء مشتعلة، تنطفئ النيران، ليغطي الدخان الرمادي سماء لبنان أمنياً، كما يغطي اسمه اقتصادياً ومالياً. أزمة وراء أزمة على جميع الصعد، يعاني منها بلدٌ غارقٌ بتحدياتٍ ربما لم يشهدها أي بلدٍ آخر في العالم. فيما حكومته لم تقم بمد يدها لنجدته، على الرغم من المحاولات الدولية لإنقاذه عبر منح الوقت وتخفيف حدّة الإجراءات، إلا أن لبنان في وضع لا حول ولا قوة فيه.

أُدرج لبنان على “القائمة الرمادية” التابعة لـ”مجموعة العمل المالي” (FATF) يوم الجمعة ٢٥ تشرين الأول ٢٠٢٤ خلال اجتماعها السنوي في باريس. والتي تشير إلى الدول التي لا تقوم بعلاج التدفقات المالية غير المشروعة لتمويل الإرهاب والحد من غسيل الأموال. جاء هذا الإدراج بعد سنة ونصف السنة من تحذيرات دولية لـِ حثّه على تنفيذ متطلبات ومعايير دولية لم يمتثل إليها. وفي شهر تموز من العام ٢٠٢٣ زار وفد من مجموعة العمل الدولية لبنان قام فيها بتقييم دقيق مبني على المعلومات الميدانية، ليخرج بقرار وضع لبنان على اللائحة الرمادية.

فالتقاعس في الحد من تبييض الأموال، والتهرب الضريبي، وعدم العمل على الإصلاحات، جميعه أدى إلى وضع لبنان على اللائحة الرمادية.

 

الإجراءات المتخذة

بعد التحذيرات الدولية المبكرة من وضع لبنان على اللائحة الرمادية، قام حاكم المصرف المركزي بالإنابة، الدكتور وسيم منصوري بعدة اتصالات مباشرة مع مراكز القرار المالية العالمية. لا سيما في واشنطن ولندن وباريس، كخطوة استباقية لاحتواء التداعيات المباشرة للقرار، والتخفيف من حدته. كما حقق منصوري نجاحاً في تحييد القطاع المالي عن العواقب الفورية عبر إثبات التزاماته بالمعايير المتشددة لمكافحة غسيل الأموال. وبالتالي إقصاء أي تأثيرات على تعاملاته وتحويلاته مع شبكة البنوك المراسلة العالمية.

وقد أشار المنصوري، في تصريحات صحفية قبل أيام، إلى أن “إدراج الدول في “اللائحة الرمادية” يأتي نتيجةً لـِ”معايير معينة”، وهي إجراء روتيني دوري من قبل (فاتف)، وقد مرت عدة دول بهذه التجربة”.

وإنها ليست المرة الأولى التي يدرج فيها لبنان على هذه اللائحة، فكانت تجربته الأولى عام ٢٠٠٠، ألا إنه تمكن من الخروج منها عام ٢٠٠٢ بعد استحداثه مجموعة قانونية لمكافحة تبييض الأموال عام ٢٠٠١، كما أنه استوفى ٢٣ معياراً من أصل ٢٤ لمكافحة تبييض الأموال.

هذه الإجراءات وغيرها لاقت ترحيبًا وثقةً من قِبل مجموعة العمل الدولية حينها، لتتخذ القرار بشطب لبنان عن اللائحة الرمادية.

 

التداعيات

إدراج لبنان على اللائحة الرمادية يعني عملياً وضع النظام المالي تحت مراقبة مكثفة، مما سيزيد من تعقيدات التعاملات المالية. وسيكون لذلك تأثيرات سلبية لاحقة على التعاملات المصرفية مع الخارج إذا استمر فتور السلطات المسؤولة في استكمال الاستجابة للمتطلبات الدولية. علماً بأن التواجد على هذه اللائحة سيفاقم من أزمة الثقة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني. وسيؤثر حكماً، سلبًا على استقطاب الأموال من الخارج وجلب المستثمرين الدوليين إلى لبنان، مما يزيد من مخاطر ارتفاع حدة أزمته الاقتصادية التي يعاني منها منذ العام ٢٠١٩.

وحسب تقارير صندوق النقد الدولي لعام ٢٠٢١ فأن الدول المدرجة في القائمة الرمادية شهدت انخفاضاً كبيراً في تدفقات رؤوس الأموال. مما يخلق تخوفًا من تأثيرات سلبية إضافية على الاقتصاد اللبناني الذي إزدادت أزمته حدّةً بعد العام ٢٠١٩.

لكن استثنائياً وبسبب الحرب ضد اسرائيل، كان لبنان في وضعٍ مختلف، حيث ان وضع التحويلات من المغتربين إلى لبنان عبر المصارف أو عبر شركات التحويل المالية العالمية لن يتأثر. إذ ان علاقة لبنان مع المصارف الدولية المراسلة الستة ستبقى قائمة، ويعود ذلك لالتزام مصرف لبنان والمصارف بالشفافية، وبالمعايير التي تضعها (FATF) والمؤسسات المالية العالمية.

 

ما هي مجموعة العمل المالي (FATF)؟

تأسست المجموعة عام ١٩٨٩ بمبادرة من دول مجموعة السبع… وتضم في عضويتها حوالي ٤٠ عضواً، أبرزهم الولايات المتحدة والصين، المفوضية الأوروبية إضافة إلى مجلس التعاون الخليجي.

تُطبق الـ (FATF) قواعدها لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب على المستوى العالمي. إذ أنها تضع المعايير لمكافحة التدفقات المالية غير المشروعة. حيث تقوم بإصدار توصيات يجب على الدول اتباعها لتعزيز أنظمتها في سبيل مواجهة الجرائم المالية.

وتنصب هذه التوصيات حول ضمان التحقق الدقيق ومنع استخدام النظام المالي في عمليات غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، والكشف عن أي تحركات مشبوهة، وتبادل المعلومات بين الدول ومؤسساتها المالية والقضائية لتعقب التدفقات المالية المشبوهة التي تعبر الحدود الوطنية.

أما عن الدول التي لا تقوم بالإجراءات والإصلاحات المطلوبة، منها التي تتماشى مع المعايير الدولية حسب ما وضعتها مجموعة العمل المالي. فيتم تصعيد وضعها إلى اللائحة السوداء ذات العواقب الاقتصادية الأسوأ.

 

خطر كبير على مالية لبنان

فعلياً، إن الخطر في دخول لبنان إلى هذه القائمة يكمن في تهديده للتحويلات المالية إلى لبنان. والتي تشكل شريان الحياة الذي ينعش الحركة الاقتصادية.

يمكن اعتبار إدراج لبنان على اللائحة الرمادية إنذاراً تحذيرياً من الاستمرار بتجاهل المطالب الدولية… خصوصاً في غياب الأحكام القضائية في ملفات غسيل الأموال.

إلا إنه ليس هناك تأثير جدي على التحويلات المالية ولا على علاقات لبنان بالمصارف والمؤسسات المالية الدولية. خاصةً مع بوادر انفتاح اقتصادي عربي ودولي مع لبنان في الفترة الأخيرة.

إن إعادة الثقة في القطاع المصرفي، وإعادة هيكلة المصارف، بالإضافة إلى وضع الإصلاحات المرجوة… قد تساعد لبنان في التعافي من هذا الإدراج.

فهل ستعمل الحكومة اللبنانية على هذه الإجراءات بعدما جد الجد بالدخول الرسمي على اللائحة الرمادية في سبيل الخروج منها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com