
كتب ايلي رحمة،
إزداد معدّل الجرائم في الفترة الأخيرة ومنها أكثر من خمسة حوادث قتل وانتحار شهدها جنوب لبنان في عيد الأضحى، ولم ننسى القصة أو الحدث الخطير الذي حصل مع الشاب علي فرحات ابن بلدة كفررمان في حارة حريك وزوجته وابنه (الّذي لا يتجاوز الثلاثة أشهر) فانتحار الأب جاء بعد “قُرْعَة” أي “جماعة القر-بان” وقعت عليه، وهنا يقع مصير العائلة بانتحارها كلها عند منتصف الليل وذلك عبر تقديم أنفسهم قربا-نًا للأمير.
لبنان بلد العجائب، بالرغم من جميع مشاكله الإقتصادية والإجتماعية والأمنية أتت “جماعة القر-بان” كضيف إلى لبنان، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ألا وهو : هل بدأت أفكار تلك الجماعة من لبنان أم أنّ الشاب حمل معه هذه الأفكار من كندا؟
بدأت القصة فعليًّا عندما وُجِدَ علي في حارة حريك مرميا من الطابق الثالث وكان عاريًّا كالمثل اللبناني الذي يقول ” متل ما خلفته أمه” حيث لا ثياب ولا سترة، حتى أن محيطه قد صُدِمَ جرّاء الخبر، لأن علي لا سوابق له حول ارتباطه بهذه “الجماعة المشؤومة” كما وصفها أقرباءه، وبحسب ما قال عم “علي” إن ابو علي قد شك بزوجة ابنه بسبب وصوله اتصال من جماعة قرعة القر-بان من هاتفها، ولم يتأخر بذهابه إلى مخفر الشرطة من أجل الإدلاء بمعلوماته، لكنّ محاولته باءت بالفشل لأن قوى الأمن اعتبرت: “لا يوجد أي جنية أو حكم حول هذا الأمر”، لتنتحر فاطمة لاحقًا بعد أقل من ٢٤ ساعة برمي نفسها من الطابق الثالث، وكانت محاولتها للإنتحار مع ابنها لم تنجح بسبب انتزاع العائلة للولد منها.
بعد تكلّمنا عن الحادثة الأكثر من مشؤومة حان الآن وقت التكلم عن ‘جماعة القر-بان” فمن هي هذه الجماعة؟
جماعة القر-بان أو القر-عة كما يصفها المجتمع “هي جماعة شيعية متطرفة تدّعي ألوهية الإمام علي، وتعمل على تحوير آيات من القرآن الكريم من أجل إقناع الشباب بالذهاب نحو مصير الإنتحار، والإنتحار يكون عبارة عن قر-عة تجري في كل مناسبة دينية،” وباتت هذه المشكلة الخطيرة تنتشر في جميع أنحاء العالم ولا ريب أن أفكارها متشابهة كثيرًا مع أفكار “داع-ش” إلا أن الفرق فقط هو قيام داع-ش بتعذيب الناس وقتلهم وتشريدهم واضطهادهم بينما هذه الجماعة تقوم بتعذيب نفسها بنفسها، والجدير بالذكر أن الشرطة في العديد من الدول بدأت بملاحقة هذه الجماعة.
مازالت طريقة وصول هذه الجماعة إلى علي مجهولة وغير معروفة! وهل كانت على اتصال بزوجته قبله؟ وكيف استطاعت تخدير عقل علي؟
من المهم أن الزوجة ما تزال على قيد الحياة ومن المحتمل أنها تحمل خيوط تؤدي للوصول إلى هذه الجماعة حول ما إذا كان يوجد ضحية جديدة في لبنان غير “علي” يقترب مصيرها إلى الموت.
رفاق علي في لبنان والمهجر بحالة صدمة جرّاء ما حصل، وما حصل مع علي بات الجميع متخوّفا منه ويروه ظاهرة غريبة وخطيرة تدمر خيرة شبابنا وشباب العالم أجمع.
وإذا أردنا الإنتقال نحو العمق بما يخص هذه الجماعة، فيقول الباحث في التراث الإسلامي “محمد البخاري: “إن هذه الجماعات تمثّل “حالة مرضية” لها أبعادها وأسبابها الداخلية والخارجية، وتؤدي إلى “سلوك شاذ” في فهم الحقائق وربما يكون بعضها عبارة عن ضحية صناعة مخا-براتية لتشويه فكرة عقائدية وكسر قدسيتها في المجتمع”، ويضيف أن” هذه الجماعة ظهرت إبان حياة المرجع الديني الراحل محمد محمد صادق الصدر، وقد تبرأ منهم في حينها، ولكنهم عاودوا الظهور مؤخرا.”
العديد من “جماعة القر-بان” وجماعات آُخرى قد عادت للظّهور في الفترة الّتي تلت سقوط نظام صد-ام حس-ين في العراق بسنين قليلة، لكنّها في كل مرة كانت تختفي وتعود بصورة جديدة إلى أن هذه المرة عادت بفكرة “الإنتحار” وتعتبر هذه الأفكار ليست من عادات وقاموس الفكر اللبناني أو العراقي أو العربي حديثًا.
ما هي أسباب ظهور هذه الجماعة؟
يقول البعض بإنّها من الاحتمال أن تكون “عقائدية ضالة مضلة” ناتجة عن فهم خاطئ للدين، أو أن لها أبعادًا سياسية أو تريد تحقيق مكاسب دنيوية كالاستحواذ على المال بغير وجه حق، أو تجمع تلك الحركات بين الوجه العقائدي “الضال” وبين الوجه السياسي في حركة واحدة.
وبسبب الجهل لديهم الذّي يعيشه الكثير من الشباب كما أُفاد بعضهم، باتوا فاقدين لبصيرتهم وحماسهم الزائد، مما جعلهم يتأثرون بمثل هذه الأفكار خاصة مع الاندفاع والحماس بمفهوم “خالف تُعرف” أو “كل ممنوع مرغوب”.
ويفرّق الباحث في تاريخ الأديان الشيخ عباس شمس الدين بين “جماعة القر-بان” وفِرَق انتحارية أجنبية تؤمن بحلول ما تسميه “القيامة الفورية” مثل جماعة “جو-نز” أو جماعة “ديف-يد كور-يش” إذ تعتبر جماعة “القر-بان” الانتحار “تضحية بالنفس” قر-بانا “للإمام علي” الذي تؤمن بألوهيته، حسب زعمها.
المثير للجدل أن جميع فرق الغلاة المؤلهة لأشخاص ك”الإمام علي” أو لأحد من ولده أو كـ “الراوندية” المؤلهة لأبي جعفر المنصور أو أي طائفة من طوائف “النص-ارى” لم تتبنّ فعل الانتحار، بخلاف ما يُنشر عن جماعة “القر-بان”
اخيرًا وليس آخرًا، هناك تخوّف من المجتمع حول احتمال توريط المزيد من الشباب غير “علي”، حتّى أن “الشيعة” أنفسهم مصدومين ومذهولين حول ما يحصل وأكثرهم لم يسمع حول سيرة جماعة القر-بان حتّى ولو مرّة واحدة في حياتهم، كأنّ هذه الجماعة تريد التشبّث سرًّا إلى أن يشتدّ عودها وتخرج من جحرها معلنةً سلطان سيطرتها على كلِّ الشعوب، ليبقى هناك أسئلةٌ عالقة في ذهن العامّة من الناس: “هل ستؤثر هذه الجماعة على مجتمعنا أم سيتمّ وضع حدًّا لها من قبل المعنيين؟ “.



