
خاص يِكَفّيكم | الفنّ فخامةٌ ونقاء
الفنّ فخامةٌ ونقاء
كتبت حنين ربيع اللحام؛ الفنّ فخامةٌ ونقاء – نزور المدن والبلدان باحثين عمّا يروي شغفنا ويثير إعجابنا. فنطوف الشّوارع بأبصارنا حتّى تقع على التّماثيل الصّمّاء الّتي أخذ منها الزّمان ما أخذ واستوطن في طيّاتها الصّدأ… لكنّ بصيرتنا تبدّل تلك الصّورة الباهتة بسنواتٍ من التّاريخ والحضارات العريقة!
أمّا تلك الخطوط المتشابكة الّتي رقّعت اللّوحة البيضاء، فقد صنعت من نفسها أشكالًا تقتطفها الأعين بإعجاب… ويطول التّأمّل والتّصفّح في زواياها، وقد سطّر الرّسّام حكايا مكلّلة بالألم والأمل في كلّ تقاطعٍ للخطوط. الفنّ فاؤه فخامةٌ، ونونه نقاءٌ وقد أكّدت الشّدّة قيمته. فما هي أهمّيّة الفنّ في السّماح للفنّان بالتّعبير عن فيض مشاعره وتطلّعاته؟ وما تأثيره على نفوس الّذين يرون هذا الفنّ أو يسمعونه على صعيد الانفعالات من جهة؟ وما هو تأثيره على صعيد بناء شخصيّاتنا وتغيير أنماط حياتنا من جهة أخرى؟
تتزاحم الأفكار وتتعارك في عقولٍ زاد النّضج وتيرة حيرتها حتّى باتت حلباتها تحوي على تساؤلاتٍ عجزت الحقائق عن تفسيرها والإجابة عنها… فالأفكار والمشاعر تبقى أسيرة جسدنا الفاني، ولن تخلّد إذا ظلّت تحت رحمة القيود، ومفتاح هذه القيود ليس إلّا الفنّ. كلٌّ منّا يختار ما يساعده على التّعبير من نفسه، فمن طاب حديثه راح يتقن فنّ الخطابة، ومن كان القلم سلاحه حمله، وتوجّه نحو ساحة المعركة ببسالة، ومن وضع الأشكال والخطوط عنوانًا لتطلّعاته وآماله، راح يرتّبها ليُظهر المعاني المخفيّة…
الفنّ لغة تعبير ومنارة تأثير
الفنّ مشعّبٌ وفروعه كثيرة، وكما يُقال: “الفنّ لغة تعبير ومنارة تأثير”. فعندما يكون المرء حزينًا، يذهب أحيانًا إلى الاستماع للموسيقى الكفيلة بإعادة ترجيح كفّ البهجة على الحزن في ميزان المشاعر وتهذيب النّفس. ومع مشاهدة الأفلام والمسلسلات، يضحك المرء وإن كان يائسًا، ويبكي المرء وإن كان سعيدًا. أمّا من ضاق صدره وأراد التّخلّص من غضبه وحزنه الدّفينين، فيجد الرّيشة تغرّد أفضل من لسانه الّذي تلعثم بالحزن. والبعض متى أخذ قدوةً له كانت الحجارة طوع أنامله لتصوير هذا المثل الأعلى فيعبّر صمتها عن تقديرٍ وإعجابٍ كبيرين…
ولا يقتصر تأثير الفنّ على الانفعالات والمشاعر فقط، بل يمتدّ على صعيد تشكيل الشّخصيّات وتغيير أنماط الحياة الّتي أصبحت جزءًا لا يتجزّأ منّا. وإنّ العديد من المسلسلات والأفلام الّتي تحمل قضايا المجتمع قد ساهمت في التّغيير الإيجابيّ، ومنها مسلسل “تحت الوصاية” للممثّلة “منى زكي”، وقد أثار جدلًا وردود فعل من المجلس القومي في مصر الّذي أكّد حقّ الولاية والوصاية الماليّة للمرأة على أطفالها باعتبارها هي المؤتمنة عليهم، كما غيّر نظرة المجتمع تجاه المرأة الأرملة. لكن تبقى الكتب مركز التّأثير العميق، ويظلّ الكتّاب من أهمّ العناصر الّتي يتأثّر بها النّاس والمجتمع على حدٍّ سواء. وهناك العديد من الكتب ككتاب: “كيف تكسب الأصدقاء وتؤثّر في النّاس” والّذي صُنّف من أفضل كتب علم النّفس وقد ساهم في فرض تغيير جذريّ على الكثير من النّاس، كذلك شجّع على تكوين الصّداقات واستئصال الخوف من تشكيل الصّداقات من أنماط حياتهم.
يقول البعض: “التّعليم للفكر والفنّ للشّعور”، لكنّني أخالفهم الرّأي… فالفكر يتغذّى على الفنّ حتّى أكثر من المشاعر، لأنّه يولّد الإبداع في العقول ويحرّك المخيّلة أيضًا. فكما تقتات النّفوس على ثماره، كذلك تقتات الأفكار عليها، لكنّها تتغيّر وفقًا للزّمان… فالأفلام والمسلسلات لم تكن موجودة في العصور القديمة، بل استلهمها النّاس من المسرحيّات والعروض حتّى طوّروها… فهل سيتطوّر الفنّ أكثر فأكثر مع مرور الوقت وتبدّل الأزمان؟



