صلاح الدين الأيوبي قائد وحّد الإسلام وحرر الأقصى
صلاح الدين الأيوبي قائد كردي وحد العالم الإسلامي وأوقف المد الصليبي وحرر الأقصى

صلاح الدين الأيوبي قائد وحّد الإسلام وحرر الأقصى
صلاح الدين الأيوبي:
هو قائد إسلامي، حكم نحو 20 عاما، وحّد فيها العالم الإسلامي ووقف في وجه الصليبيين، فاستعاد منهم 77 مدينة، وعمل على تعزيز المذهب السنّي بإحياء الخلافة العباسية فور توليه وزارة الدولة الفاطمية في آخر أيامها، وحينئذ أعلن ولاءه لسلطان حلب نور الدين زنكي الذي عينه نائبا له في مصر.
مولده ونسبه وعائلته:
ولد صلاح الدين الأيوبي باسم يوسف بن أيوب عام 532هـ “1137م” في تكريت إحدى قرى الأكراد، التي تقع على ضفاف نهر دجلة بالقرب من بغداد. ورأت أمه يوم ولادته أن رجلا يقول لها “ستلدين سيفا من سيوف الله عز وجل”، واسمه الكامل صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شادي بن مروان بن يعقوب الدويني التكريتي، وهذا اللقب الأخير نسبة إلى قلعة تكريت التي ولد فيها وكان والده نجم الدين أيوب الوالي عليها.
والأيوبي كردي وعائلته من أشرف الأكراد نسبا، إذ لم يجر على أحد منهم رق قط، وينتمي لعشيرة الروادية التي تنحدر من بلدة دوين في أذربيجان بالقرب من مدينة تفليس الأرمينية.
نشأته:
رافق يوم ولادة صلاح الدين حدث صعب على أسرته وأسرة عمه، فيومئذ أمرهم والي بغداد بهروز بمغادرة تكريت خوفا عليهم، بعد أن قَتَل عمه أسد الدين شيركوه أحد قادة القلعة لإيذائه امرأة في شرفها، خرجت العائلتان من القلعة مكرهتين باتجاه الموصل، ونجم الدين ينظر إلى ابنه الرضيع بشؤم مستشعرا الظروف السيئة التي رافقتهم مع ولادتهتوطدت العلاقة بين زنكي وعائلة الأيوبي، وصار والد صلاح الدين وعمه من أبرز قادة الدولة الزنكية، وأقطع لهما الأمير أرضا يعيشان عليها. ولم تفتر العلاقة بين الأسرة الأيوبية وعائلة زنكي حتى بعد مقتل أميرها، فقد استمرت مع تولّي نور الدين محمود زنكي الحكم بعد أبيه.
وفي عام 534هـ فتح نور الدين زنكي مدينة بعلبك وعيّن والد صلاح الدين حاكما عليها لكنه حوصر وقتا طويلا من حاكم دمشق، إلى أن تم الصلح، وانتقل بعدها نجم الدين إلى دمشق ليصبح من كبار أمرائها.
تكوينه العسكري والسياسي:
بين بعلبك ودمشق نشأ وترعرع صلاح الدين، وتلقى العلوم الإسلامية، ومارس فنون الفروسية والقتال والصيد والرمي بالسهام، وبرع كأبيه في لعبة الجوكان، وهي لعبة رياضية أصلها شرقي يمارسها اللاعبون وهم على ظهور الخيل.
عايش الأيوبي اعتداءات الصليبيين ومحاولاتهم المستميتة في احتلال الأراضي الإسلامية، ووقف على جهود أبيه وعمه في صدّ الفرنجة وتمددهم في الشام، فترك ذلك في نفسه أثرا بليغا، وغرس لديه قيمة هذه الأرض، فعاش بقية حياته مدافعا عنها، ولازم الأيوبي عمه شيركوه الذي رافق نور الدين زنكي مع توليه حكم الزنكيين خلفا لأبيه، وأثناء ذلك برزت قدرات صلاح الدين العسكرية والإدارية، فارتفعت مكانته عند زنكي، وتعلم منه صلاح الدين الكثير وتأثر به في الأمر بالمعروف والسير في طريق الجهاد.
انتقل صلاح الدين مع عمه إلى مصر التي صار شيركوه آمرها، وابن أخيه يعمل عنده، وتهيأ الشاب الذي تأثر ببراعة أبيه السياسية، وشجاعة عمه في الحروب، وملك قدرا من الدهاء السياسي، وروحا حربية تقدس الجهاد، لتولي منصب أعلى.
تكوينه الديني
تعلم الأيوبي علوم عصره وتتلمذ على أيدي كبار العلماء وأساتذة منطقة الشام والجزيرة حينئذ، وحفظ القرآن ودرس الفقه وعلوم الحديث، وكان ممن تعلم على أيديهم قطب الدين النيسابوري.
كذلك تأثر الأيوبي بالقصص التي كان يقصّ عليه والده عن مجاهدي الإسلام وأبطاله، وكان ممن ترك أثرا بالغا في نفسه القائد نور الدين زنكي الذي ورث عنه قيادة المشروع الإسلامي وحبه للجهاد وغيرته على دينه، ونهج أسلوبه في “التصدي للمدّ الرافضي” و”الغزو الصليبي” كما يروى عنه.
تعلم الأيوبي عقيدة أهل السنة والجماعة، وكان يحفّظها لأولاده الصغار عثمان وعمر وأبي بكر، وعرف عنه أنه ما ترك صلاة الجماعة طوال سنين كما يذكر قاضيه ابن شداد، وأن الزكاة لم تجب عليه إذ لم يجمع مالا قط.
تجربته السياسية والعسكرية:
تولى صلاح الدين منصب رئاسة الشرطة في المدة التي مكثها في دمشق، واستطاع إعادة استقرارها وأمّنه الناس على أموالهم وأنفسهم.
برزت حنكته الحربية عندما ساعد عمه شيركوه في حملاته العسكرية الثلاث على مصر سنة 559 هجرية، فصار عمه وزيرا على مصر باسم السلطان زنكي وعينه الخليفة الفاطمي العاضد وزيرا له، وعقب أشهر قليلة توفي شيركوه وخلفه صلاح الدين، وعمره حينئذ 32، وأصبح وزيرا للخليفة الفاطمي ونائبا عن زنكي.
حكم الدولة وإحياء الدولة العباسية:
توفي نور الدين زنكي فاستقلّ صلاح الدين الأيوبي، وأعلن نفسه سلطانا على مصر، ورفع راية الجهاد ضد الصليبيين،حمل الأيوبي راية التحرير بعد موت نور الدين زنكي، وجعل نصب عينيه توحيد مصر والشام والموصل، وقطع الاتصال بين الصليبيين والغرب، وجهّز خطة لطرد المستعمر الصليبي من بلاد المسلمين، بدأها بعقد هدنة معهم 4 سنوات حتى يتمكن من توحيد صفوفه وحشد قواته، وزحف إلى الشام لتحريرها، فدخل دمشق ثم حمص وحماة وبعلبك، واستطاع بعدها ضم حلب وما حولها، ثم وجّه جيوشه لقتال الصليبيين، فهزمهم في معركة حطين وبدأ بعدها مُلك الصليبيين بالتساقط تباعا، حتى حاصر صلاح الدين بيت المقدس وحررها سنة 1187 ميلادية، وصار سلطانا على مصر والشام.
بعد وفاة الملك بلدوين الخامس سنة 582 هجرية، أحد ملوك مملكة بيت المقدس، شبّ صراع حاد بين الملوك الصليبيين حول الحكم ونشبت الصراعات الداخلية، فاستغل صلاح الدين تلك الظروف وعقد تحالفات شقّ بها صفوف الصليبيين، وبدأ يجهز جيوشه في مصر والموصل والشام.
محاولات الاغتيال:
واجه صلاح الدين الأيوبي عددا من محاولات الاغتيال من الإسماعيلية الذين ساءهم سقوط الدولة الفاطمية في مصر وتوسّع نفوذه في الشام.
كانت أولى هذه المحاولات أثناء حصاره لحصن إعزاز شمال حلب سنة 571هـ، وهاجمه عدد منهم بغتة، فأدى ذلك إلى إصابة بعض أمرائه، إلا أنه نجا وتمكن من التصدي لهم، كما يروي المؤرخ تقي الدين المقريزي، وبعد ذلك بوقت قصير، تعرض لمحاولة أخرى أثناء حصاره لمدينة حلب، لكن حذره وإجراءاته الأمنية أفشلا المخطط قبل تنفيذه، وفي سنة 584هـ، أي بعد تحريره المسجد الأقصى، حاول 12 رجلا من الطائفة إثارة تمرد داخل القدس، منادين بشعارات لإعادة الدولة الفاطمية، على أمل أن ينضم إليهم السكان، لكن محاولتهم باءت بالفشل، فتفرقوا قبل أن يتم القبض عليهم.

موقعة حطين وفتح بيت المقدس
وفي يوم 25 ربيع الآخر 583هـ الموافق 4 تموز 1187م، في تلال حطين قرب قرية المجاودة الواقعة بين مدينتي طبريا والناصرة في فلسطين، حشد الصليبيون 63 ألف مقاتل لاقاهم الأيوبي بنحو 25 ألفا.
تخوّف الفرنجة من مواجهة الأيوبي لشدة الحر، خاصة أنهم لم يتزودوا بالمؤن اللازمة لتقيهم من حر الصيف، لكن الأيوبي استطاع استدراجهم لملاقاته، وفرض سيطرته على مصادر المياه وحال بينهم وبين بحيرة طبرية، فاضطروا إلى الانسحاب إلى جبل حطين.
تمكّن العطش والجوع من الصليبيين، واستغل الأيوبي الوضع فأمر جنوده بإشعال النار في سهامهم وتصويبها نحو الحشائش المحيطة بأعدائهم، فاستطاع حصارهم وإجبارهم على قتاله حتى انتصر وقتل منهم 30 ألفا وأسر 30 ألفا آخرين، منهم كل الملوك الذين جاؤوا لمحاربته
استطاع صلاح الدين الأيوبي فتح عكا التي أذّن فيها بعد أن غاب عنها الأذان 73 سنة، وفتح نابلس وعسقلان وصيدا وبيروت وجبيل والرملة وعكا وطبرية ويافا والناصرة، ثم تفرغ لبيت المقدس، وفرض عليه حصارا من الناحية الغربية يوم 15 رجب 583هـ (1187م) بـ60 ألفا من العرب والكرد والتركمان، وقطع الإمداد عن الفرنجة.
بعد حصار استمر 12 يومًا بادر دانيال قائد الحامية الصليبية في القدس إلى طلب الصلح فوافق صلاح الدين وفتحت المدينة يوم الجمعة 27 رجب 583هـ الموافق 2 تشرين الأول 1187م، وصلى صلاة الجمعة الأولى بعد الفتح في مصلى قبة الصخرة بعد 90 عاما من الاحتلال.
وإضافة إلى مصر والشام، خضعت له سواحل طرابلس وتونس وبلاد النوبة والسودان والحجاز واليمن.
الوفاة:
توفي الأيوبي بقلعة دمشق يوم الأربعاء 27 صفر سنة 589 الموافق لـ 4 آذار1193 ، وخلف 17 ولدا وبنتا واحدة. ويقول ابن شداد إنه مات ولم يورّث مالا ولا قرية ولا مزرعة، وكل ما تركه كان دينارا و47 درهما، لم يعلم عنها حتى ورثته إلا حين وفاته، وحتى ثمن الطوب الذي سوّي به قبره اضطروا إلى اقتراضه.

