
خاص بِكَفّيكم: كمال جنبلاط بين الأمس واليوم: تنبؤات ومخاوف في عصر التقدم التكنولوجي
كمال جنبلاط وعصر التقدم التكنولوجي
كتبت د. ضياء عزام؛ كمال جنبلاط وعصر التقدم التكنولوجي – في مرحلة مثقلة بالتغيرات الاجتماعية والسياسية في لبنان والعالم العربي، وفي زمن تزايد فيه الحديث عن الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة ، يعود إلينا صوت الفيلسوف والسياسي والمفكر اللبناني، كمال جنبلاط، الذي تميز بنظرته العميقة تجاه المستقبل وتأثيراته على البشرية، ولاسيما في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، حيث قدم من خلال كتاباته رؤى وتحذيرات حول هذا التطور وما يمكن أن يترتب عليه من تأثيرات عميقة على المجتمعات البشرية.
بدايةً اذا نظرنا إلى عصرنا الحالي، سنجد أن وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من قدرتها على جمع الناس من مختلف أقطار العالم، قد أثرت سلباً على جودة التفاعل الإنساني. حيث أصبح هناك اعتماد كبير على الرسائل النصية والمحادثات عبر الإنترنت، مما يقلل الحوارات الوجاهية والتفاعل الإنساني الحي. وقد ساهمت هذه الظاهرة في خلق ما يمكن وصفه بالاغتراب الاجتماعي… وهو ما خشي منه المعلم كمال جنبلاط في كتابه “أدب الحياة” حين قال: “قد يجد الإنسان نفسه، بسبب تلك الآلات والأجهزة، منفصلاً عن جوهر إنسانيته”.
كما أبدى كمال جنبلاط تخوفه من أن تؤول التكنولوجيا إلى أداة لسيطرة قوى كبرى على العقول. مشيرًا إلى أن “العالم قد يُستعبد بواسطة الآلات دون أن يدرك ذلك”. وهو ما نراه يتحقق في العصر الرقمي الذي نعيشه! حيث أصبح التأثير على الرأي العام أكثر سهولة ووضوحًا، من خلال استخدام الخوارزميات… وكأنها تُعيد بناء الروايات التاريخية وتُعيد صياغة الحقائق بشكل يتناسب مع مصالح القوى المسيطرة، للتحكم في المعلومات والتوجهات، مما يثير أسئلة حول مدى حرية الإنسان في تكوين رأيه الخاص.
كمال جنبلاط وموضوع تزييف الحقائق
تطرق كمال جنبلاط أيضاً الى موضوع تزييف الحقائق. إذ كان قلقاً من أن التطور التكنولوجي في الإعلام قد يؤدي إلى تشويه الواقع، حين قال: “الإعلام قد يصبح أداة لتزييف الحقائق وتوجيه الرأي العام بأسلوب خداع”. وها نحن اليوم، نرى بوضوح هذا الخوف وقد تجسد في عصر “الأخبار الكاذبة” و”البروباغندا الرقمية”. بحيث تُستخدم منصات التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضللة تؤثر على المفاهيم السياسية والاجتماعية. واغلب الظن انه عندما أشار كمال جنبلاط إلى “تجمُّع القوة التقنية تحت سيطرة أيدٍ قليلة”. لم يكن بإمكانه أن يتخيل منصات عملاقة مثل فيسبوك وأكس، تسيطر على الكثير من جوانب حياتنا اليومية الآن! ولم تعد مجرد أدوات للتفاعل الاجتماعي وحسب، بل أصبحت حلبات لصراع الأيديولوجيات والمفاهيم المختلفة.
أما فيما يتعلق بالقضايا الكبرى، فقد رأينا كثيراً كيف تُستخدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في التأثير على الانتخابات وترسيخ الانقسامات السياسية والدينية.
إنه لمن الغرابة أن رؤية كمال جنبلاط قبل عقود تتحول إلى حقيقة ماثلة أمامنا اليوم! حيث يواجه العالم تحديات لم نشهدها مسبقاً في ظل هذا التقدم التكنولوجي الهائل.
ويبقى السؤال، الذي طرحه كمال جنبلاط، أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى… فهل نحن نمتلك القدرة والإرادة لمواجهة تدفق التكنولوجيا وتأثيراتها، أم أننا نسير نحو مستقبل تتلاشى فيه الفروق الفردية بين الحقيقة والوهم، ويغدو الإنسان فيه تابعًا للآلة؟ أم أن هناك طريقة لتسخير التقدم لمحاربة الأكاذيب ودعم قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية؟ وكيف يمكن أن نحافظ على إنسانيتنا في وسط هذه التقنيات المتقدمة التي تغير كل شيء من حولنا؟



