خاصمقالات

تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان

خاص بِكَفّيكم: الاستحقاق النيابي بين الطموحات الإصلاحية وحسابات القوى التقليدية

تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان

سامنتا نصار؛ خاص بِكَفّيكم: الاستحقاق النيابي بين الطموحات الإصلاحية وحسابات القوى التقليدية

دخلت البلاد عامها الثالث على آخر انتخابات نيابية أُجريت في أيار 2022، فعاد قانون الانتخاب إلى واجهة النقاش السياسي، في وقتٍ تتصاعد فيه الدعوات إلى تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان قبل استحقاق 2026. بين مطالبات بتحديثه وتوسيع قاعدة المشاركة، وبين تمسّك أطراف سياسية بالقانون الحالي، تدور نقاشات حذرة تعكس حجم التباين حول شكل التمثيل النيابي في لبنان.

في ظل الانهيار الاقتصادي المستمر، وتراجع الثقة العامة بالمؤسسات، تبدو الانتخابات المقبلة فرصة نادرة، وربما أخيرة، لإعادة الاعتبار للتمثيل الشعبي. لكن هذه الفرصة تصطدم بوقائع سياسية وطائفية معقّدة، تجعل من تعديل القانون مهمة شائكة، محفوفة بالمصالح المتضاربة والاصطفافات المسبقة.

فما هي أبرز الطروحات المطروحة اليوم؟ والأهم، هل نحن فعلاً أمام مسار إصلاحي، أم أمام محاولة جديدة لإعادة إنتاج المشهد النيابي بشروط القوى التقليدية؟

أبرز مقترحات تعديل قانون الانتخابات النيابية في لبنان

كتلة التنمية والتحرير

في سابقة تشريعية، تقدّم النائب علي حسن خليل باقتراح قانون شامل لتعديل النظام الانتخابي، مقسّم إلى شقّين، يرتكز الأول على جعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، وفق النظام النسبي مع صوت تفضيلي، وانتخاب مجلس شيوخ مؤلف من 46 عضوًا ولولاية تمتدّ لستّ سنوات، يُنتخبون على أساس طائفي على أن يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة ضمن النظام النسبي، وهو طرحٌ يندرج ضمن ما نصّ عليه اتفاق الطائف.

أما في الشقّ الثاني، فقد تقدّم خليل باقتراح قانون انتخابي يهدف إلى انتخاب مجلس نواب مؤلف من 134 عضوًا، وذلك بعد أن يضاف إلى أعضاء المجلس الحالي ستّة نواب يمثّلون الاغتراب ولولاية تمتدّ لأربع سنوات على أساس النظام النسبي ولبنان دائرة انتخابية واحدة.

لكن هذا الطرح، بشقّيه الأول والثاني، يواجه معارضة من قوى سياسية تعتبر أن الدائرة الواحدة تهدد التمثيل المتوازن للمكونات الطائفية، خصوصًا في ظل غياب الضمانات السياسية والإدارية. كما يُخشى من أن يُستغل هذا التعديل في تعزيز نفوذ قوى سياسية تمتلك قاعدة شعبية واسعة على مستوى الوطن، مقابل إضعاف القوى المحلية أو المناطقية.

من جهةٍ ثانية، أورد خليل في مشروع القانون، مادّة تتعلّق بالبطاقة الإلكترونية (الممغنطة) والـ”ميغاسنتر” لتسهيل الاقتراع في أي مركز انتخابي. وفي هذا السياق، أُدرج في جدول أعمال مجلس الوزراء اعتماد البطاقة الممغنطة ضمن التحضيرات التقنية للانتخابات المقبلة. هذا الإصلاح من شأنه أن يسهّل على المواطنين الاقتراع في أماكن إقامتهم بدلًا من التوجّه إلى بلداتهم، ويعزز الشفافية عبر آلية تحقق إلكترونية.

لكن العقبات التقنية، والشكوك السياسية حول نية بعض القوى في تأجيل الانتخابات عبر افتعال “أعذار لوجستية”، تضع هذه المشاريع في دائرة الشك، خاصة أن اعتمادها يتطلب تمويلًا دوليًا وجهوزية لوجستية عالية لم تُنجز بعد.

نواب الاغتراب

في المقلب الآخر، أحد أبرز محاور التعديل المقترحة يتمثل في إلغاء المقاعد الستة المخصصة للمغتربين… التي لم تُطبق حتى اللحظة، والسماح لهم بالاقتراع في دوائرهم الأصلية كما جرى سابقًا. وفي هذا الإطار تقدّم النائب ميشال الدويهي مع عدد من النواب، باقتراح قانون يهدف إلى تمكين اللبنانيين غير المقيمين من ممارسة حقهم في الاقتراع ضمن دوائرهم الانتخابية الأصلية… كما حصل في الانتخابات الأخيرة، وذلك عبر إلغاء المقاعد الستة المخصّصة للمغتربين! تأكيدًا على مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق السياسية بين اللبنانيين المقيمين والمغتربين. يحظى المقترح بدعم من غالبية نواب الاغتراب، الذين يرون أن حصر مشاركة المغتربين بستة نواب “يرتّب تمييزًا ضدهم ويحد من تأثيرهم السياسي”.

في الموازاة، يبرّر المؤيدون لحصر التمثيل الاغترابي بأنه يسهم في ضبط التوازن الديموغرافي والسياسي داخل البرلمان. ويمنع تضخم تأثير كتلة انتخابية غير مقيمة بشكل غير متكافئ مع الواقع المحلي.

تكتل لبنان القوي

من جهته، أعاد تكتل “لبنان القويّ” القانون الأرثوذكسي إلى الواجهة مجددًا بصيغةٍ جديدة. وهو ما كان يشكّل محطة خلاف بين الأحزاب السياسية عام 2013. حيث يعتمد هذا القانون على النسبية مع صوت تفضيلي واحد… على أن تنتخب كل طائفة نوابها فقط! وتشكّل لوائح تضمّ مرشحين من طائفة واحدة حصرًا بما يوازي عدد المقاعد المُخصّص لها. وأدخل التيار تعديلات على الاقتراح كالكوتا النسائية والبطاقة الممغنطة. ويبرر التيار مقترحه بأنه يصحح “الخلل في التمثيل” ويعكس إرادة ناخبي كل طائفة. إلّا أن هذا الطرح لا يزال يواجه رفضًا واسعًا من قوى مدنية وعلمانية تعتبره تكريسًا للطائفية السياسية… وعائقًا أمام بناء دولة المواطنة. كما يُنظر إليه كخطوة رجعية تُعيدنا إلى ما قبل اتفاق الطائف بدلًا من تجاوزه.

إذًا، يبقى مصير قانون الانتخاب معلقًا على ميزان الحسابات السياسية والمصالح الطائفية، بين من يدفع نحو الإصلاح ومن يتمسك بالمحاصصة. ومع اقتراب موعد الانتخابات، يزداد الضغط الشعبي والمطلبي لإنتاج قانون عادل يعكس إرادة الناس، لا هندسات السياسيين.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com