
حماية الأقليات غطاء للمصالح الإسرائيلية
رزان علوان؛ خاص بِكَفّيكم: إسرائيل والأقليات: حماية مزعومة لخدمة أجندة استعمارية توسعيّة
تشكل الأقليات بُعدًا سياسيًا حساسًا في توازنات القوى في منطقة تتعدد فيها الطوائف والقوميات. غالبًا ما تم توظيفها من قبل قوى داخلية وخارجية لتحقيق مصالحها.
في هذا السياق المعقّد، تبرز إسرائيل بشكل متكرر في المشهد الإقليمي، مقدِّمةً نفسها تحت مسمّى حامية الأقليات. وفي الوقت الذي تمارس فيه سياسات قمعية ضد الشعب الفلسطيني، تروّج لنفسها كدولة ديمقراطية، تحمي حقوق الأقليات. فهل الحماية الإسرائيلية للأقليات فعل إنساني؟ أم أنها غطاء لمشروع استعماري يخدم مصالحها؟
تاريخ العلاقات بين إسرائيل والأقليات في الشرق الأوسط
لم تكن علاقة إسرائيل بالأقليات في المنطقة وليدة اللحظة، فبعد إنشاء إسرائيل عام 1948، قام ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، بتطبيق “عقيدة المحيط”. وكانت هذه العقيدة واحدة من الاستراتيجيات الأربع الرئيسة، والتي وضعتها إسرائيل في الخمسينيات من أجل ضمان أمن الدولة.
ظهر التطبيق العملي لهذه العقيدة في قيام شراكات استراتيجية مع دول غير عربية وموالية للغرب في المنطقة، وأبرزها تركيا وإيران وإثيوبيا، من أجل معالجة العداء العربي والوحدة العدوانية ضد إسرائيل.
كانت الأقليات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، تُعَدّ محيطًا عرقيًا يمكن لإسرائيل الاستفادة منه، وذلك لخرق دول الطوق والدول العربية الأخرى وإشغالها، وتقسيم المنطقة على أسس طائفية لكي لا تبقى اسرائيل وحدها أقلية بمواجهة الأكثرية، وأبرزهم الأقلية المسيحية في جنوبي السودان، الموحدين الدروز في سوريا ولبنان، الكرد العراقيين، والموارنة في لبنان.
الحماية الإسرائيلية المعاصرة: تنوّع في الواجهات، وحدة في الهدف
عملت إسرائيل على بناء تحالفات مع بعض الأقليات لتثبيت شرعيتها داخليًا، ولعل أبرز الأمثلة علاقتها مع الموحدين الدروز داخل الأراضي المحتلة، حيث عملت مبكرًا على فصلهم عن باقي المكوّن الفلسطيني وقدّمتهم كأقلية مختلفة. جاء ذلك في محاولة لتطبيع وجودها عبر خلق ولاءات فرعية.
أما بعد سقوط نظام الأسد بيوم واحد، سارعت اسرائيل لاستغلال هشاشة الوضع. فوجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، رسالة إلى الموحدين الدروز في سوريا، بصورة مباشرة، أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تعرّضوا للتهديد.
وحصل الأمر ذاته في جنوب لبنان خلال الحرب الأهلية وما بعدها، حيث دعمت إسرائيل ميليشيات كان أبرزها “جيش لحد”. كان هذا الدعم تحت شعار حماية المسيحيين من التهديدات الإسلامية… بينما كانت تسعى في العمق لتأمين حدودها الشمالية وخلق منطقة عازلة.
كما سعت اسرائيل الى الاقتراب من الاكراد في سوريا والعراق، فهي تدعم المطالبة بإنشاء دولة كردية مستقلة تكون نواتها في شمال العراق ثم بالتبعية تنشأ في تركيا وسوريا وإيران. ويُسند هذا التوجّه إلى علاقاتها القديمة مع الأكراد، والتي يمكن أن تتفعّل في حال قيام دولة كردية.
إسرائيل بين خطاب الحماية والمشروع الاستعماري
إذا تتبعنا المسار العام لخطاب الحماية الإسرائيلية تجاه الأقليات في المنطقة على مدى عقود، يتضح أنه اداة ناعمة تخدم مشروعًا صلبًا. هذا المشروع يهدف الى تفكيك البيئات المحيطة بإسرائيل وتحويل مكوّناتها إلى أدوات ضغط تخدم مصالحها الاستراتيجية.
هذا الخطاب لا يمكن فصله عن رغبة إسرائيل في تقسيم سوريا وإضعافها. ومنع قيام دولة موحدة على حدودها، وتكوين موطئ قدم في الجنوب السوري. وتحاول اسرائيل تحقيق ذلك عبر استقطاب مكوّن محلي يمكن تطويعه سياسيًا أو أمنيًا، كما فعلت مع الموحدين الدروز في الداخل. هذا الاستقطاب خلّف انقسامًا حادًا داخل الطائفة وتفككًا في الموقف الجماعي… فهناك من يرى أن العلاقة مع إسرائيل قد تفتح بابًا للحماية في ظل غياب وجود جيش موحد، ومن يرفض أي تواصل مع كيان يحتل جزءًا من الأرض السورية.
إسرائيل التي تبرز نفسها كحامية للأقليات، هي نفسها التي عملت على تهجير ممنهج لأكثر من 20 ألف مسيحي من القدس من عام 1967 حتى اليوم. وهي التي قصفت وهجرت الكثير من الموحدين الدروز في الجولان خلال احتلالها لهضبة الجولان.
بعيدًا عن الصورة الإنسانية التي يُحاول خطاب الحماية الإسرائيلية للأقليات رسمها… تُظهر التجربة أن هذا الخطاب لا يهدف إلى حماية حقيقية! بل يسعى الى تفكيك المجتمعات وتوظيف مكوّناتها في لعبة إقليمية أكبر. تسعى اسرائيل لاحتكار الأقليات لتصبح كل طائفة مدخلًا جديدًا لشرعنة وجودها. تستخدم هذا الخطاب كواجهة ناعمة لمشروع يقوم على إعادة هندسة المجتمعات العربية على أسس طائفية وعرقية تفتّت الداخل… وتؤمّن لها بيئة مجاورة مفرغة من التماسك. ويبقى السؤال الأهم، هل يمكن الوثوق بِمَن يُمارس الإحتلال، حين يزعم أنه يحمي المظلومين؟



