
رينا حلاوي؛ مستقبل الرسوم الجمركية على الصين – ترامب والرسوم الجمركية: خطوة ناقصة أم خطّة مستقبلية؟
تولّى “دونالد جون ترامب”، رجل الأعمال الأميركي، رئاسة الولايات المتّحدة الأميركية في كانون الأول من عام 2025، ليُجنَّ جنونه ويشرع بفرض رسوم جمركية طالت أقاصي البلاد.
ولم يكن هذا القرار الأول او الوحيد من نوعه، إذ بدأ ترامب بفرض عقوباتٍ على شركة “هواوي” الصينية خلال ولايته الأولى عام 2018، وأطلق حربًا تجاريةً واسعة النطاق بين البلدين.
ترامب يتحدّى، والصين تردّ
اليوم، وبعد مغادرته البيت الأبيض لولايةٍ رئاسيةٍ، عاد ترامب رئيسًا أميركيًا، وفي جعبته خطةٌ موسّعةٌ طالت دولًا بأكملها.
بدأ الرئيس الأميركي تنفيذ خطّته بفرض رسومٍ جمركية بلغت 25% على دول الجوار، وفي طليعتها كندا والمكسيك. ولم يكتفِ ترامب بذلك، فوسّع سعيه “الضرائبي” بتهديد اليابان اقتصاديًّا، والّتي جاء ردّها على شكل وعودٍ باستيراد كميات أكبر من الغاز الطبيعي من الولايات المتّحدة.
لم يقتصر جنون ترامب الاقتصادي، كما يصفه البعض، على الدّول المجاورة او تلك المنافسة للاقتصاد الأميركي، بل امتدَّ الى دول الاتّحاد الأوروبي وسبع عشرة دولة عربية، من أبرزها المملكة العربية السعودية ومصر وسوريا. ولم تنجُ حليفته الأولى وابنته المدلّلة اسرائيل من رسومه الجمركية، إذ طالتها نسبةٌ توازي 33%، ما زاد الضغط على الحكومة الّتي تُستنزف ماليًا منذ حرب غزة الأخيرة.
رغم قرارات الرئيس الأميركي الّتي صدمت المحلّلين الاقتصاديّين أجمعين، إلّا أنّها تبقى في حدود المنطق والمعقول، مقارنةً بما فعله لاحقًا. تجرّأ ترامب على استكمال مخطّطه الّذي بدأ بتنفيذ بنوده العريضة خلال ولايته الأولى، والّتي كان شعارها “أميركا أوّلًا”. ما كان منه إلّا أن قام بفرض رسومٍ جمركية على العملاق الصيني، منافسه الاقتصادي الأوّل. فقد ابتدأت هذه الرسوم بنسبةٍ شبه بريئةٍ بلغت 10%، ثمّ ازدادت تدريجيًا لتزداد معها حدّة الحرب بين الطرفين، ولتبلغ الرسوم الأميركية على الصين حدًّا غير معقول يوازي 145% وأكثر على فئات معيّنة من السّلع.
لم تسكن الصين لقرارات الرّئيس الأميركي، بل قابلت “العين بالعين، والسن بالسن”، وقابلت الرسوم الجمركية بالمثل، لتبدأ معها موجة مزايدات انتقامية. ولم تكن هذه الخطوة الأولى الأخيرة كذلك، بل فُتحت أبواب الجحيم على الولايات المتّحدة. بدأت الصين ردّها برسوم جمركية بلغت 125%، ثم هدّدت بإيقاف استيراد البضائع الأميركية كاملةً في حال أقرّ ترامب زيادةً إضافيةً في الضرائب والرسوم الجمركية. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، فقد أعلنت الشركات الصينية المصنّعة للعلامات التجارية العالمية فتح باب الشّراء أمام التّجار بأسعارٍ زهيدة، لتُدوّي عن خطوتها هذه فضيحةٌ عالميةٌ.
ترامب رجل الجنون أم الحكيم العاقل؟
تتباين الآراء عن الدّافع وراء قرارات ترامب الصّادمة. يعزو البعض هذه القرارات الى ثأر شخصي مع الصين، إذ يلوم ترامب الأخيرة على عدم شفافيّتها بالتعامل مع جائحة كورونا، ما أدّى الى كارثةٍ اقتصاديةٍ هزّت الولايات المتّحدة، وتسبّبت في خسارته الانتخابات الرئاسية عام 2020. كما تعتبر هذه الشريحة من المعارضين أن ترامب نرجسيّ الطّباع، يتغنّى بقدرته على تحسين الموقع الاقتصادي لأميركا، ويُلقي باللّوم على من سبقوه في الحكم. فهو، في نظر نفسه، الكامل الّذي لا يخطىء، ومخلّص الولايات المتّحدة من سيطرة الدّول الأخرى، والوحيد الّذي بإمكانه الإرتقاء بالبلاد.
أمّا البعض الآخر، فهو يحترم قرارات الرئيس الأميركي، ويرى في طيّاتها حكمةً مستقبلية ونظرةً ثاقبة. تفسّر هذه الشريحة الرسوم الجمركية الّتي يفرضها ترامب بكونها الأسس المتينة الّتي تمهّد لاستقلال الولايات المتّحدة. فبالنّسبة لهم، عندما يتوقّف استيراد البضائع من الأسواق العالمية، تضطرّ الشركات الأميركية لتوسيع انتاجها وسدّ الفراغ في السوق المحلية، وينشط بذلك الاقتصاد الأميركي، لينخفض معه الدّين العام الّذي بلغ 36 تريليون دولار عام 2024.
ختامًا، يبقى ترامب رجل المفاجآت الّتي تزعزع استقرار وهدوء الكوكب بأكمله، وتبقى قراراته الجمركية مثار جدل واسع بين من يراها خطوات ارتجالية مدفوعة بالحسابات السياسية والشخصية، ومن يعتبرها استراتيجية اقتصادية تهدف لإعادة التوازن التجاري وتعزيز الإنتاج المحلي. وبين هذا وذاك، وحدها النتائج على المدى البعيد كفيلة بكشف حقيقة ما إذا كانت هذه السياسات مجرّد خطوة ناقصة أم خطة مستقبلية مدروسة.



