
سيلين شيا؛ قانون البلديات يعزز المحسوبيات، البلديات في لبنان ضحية لاحتلال العائلات الكبرى والأحزاب
يتميز لبنان بنظامه الديمقراطي، حيث يُفترض أن تكون الكفاءة هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أي منصب إداري، بغضّ النظر عن مدى تأثيره— أو هذا ما نتعلمه في دروس التربية الوطنية على الأقل. لكن عند التعمق في القوانين الانتخابية اللبنانية، وخصوصًا قانون الانتخابات البلدية والاختيارية، تبدأ الشكوك بالتراكم كغيومٍ سوداء محمّلة بالأسئلة التي لا تلبث أن تنهال. أين الديمقراطية في انتخابات البلديات؟ وهل تشكّل البلديات نسخة مصغّرة عن البرلمان اللبناني؟
تُعدّ البلديات في لبنان وحدات إدارية محلية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، وتنظّم وفقًا للمرسوم الاشتراعي رقم 118 لعام 1977 وتعديلاته. يُفترض أن تلعب هذه البلديات دورًا حيويًا في تنظيم وإدارة المرافق العامة، ووضع المخططات التنموية، وتقديم الخدمات الأساسية للسكان. ومع ذلك، يواجه النظام البلدي تحديات كبيرة تعيق تحقيق هذه الأهداف، والمشكلة ليست في ضعف التمثيل النسائي في البلديات كما طرحها النائبان “مارك ضو” و”وضاح الصادق”. فإن كان ثلث أعضاء البلدية من النساء أو كانوا أكثرية، أو سُمح لنسبة مشاركة أعلى في الانتخابات باعتماد الميغاسنتر، فهذا لا ينفي حقيقة أن هذا التعديل لا يكفي للحد من الفساد البلدي، ولا يكون هو المرتجى لتنمية اقتصادية وثقافية وحياتية وخدماتية، أو رفاهية لأبناء البلدة. لذلك، ظهر الاقتراح الذي قدّماه كسببٍ لتأجيل الانتخابات البلدية مقبولًا شكلًا، أما في أساسه فهو لا يقدّم شيئًا لجهة الأداء البلدي.
يتخلل القانون البلدي الحالي الكثير من المشاكل الجوهرية. أولًا، يُكرّس النظام الإنتخابي البلدي سيطرة العائلات الكبرى، تمامًا كما تعزّز الطائفية نفوذها في البرلمان اللبناني، مما يؤدي إلى تهميش العائلات الأقل عددًا وخلق صراعات داخل البلدة الواحدة. علاوة على ذلك، يؤدي تدخل الأحزاب السياسية إلى فرض مرشحيها وفقًا لأجنداتها، مما يعرقل تحقيق التنمية المحلية ويجعل البلدية أداة لخدمة المصالح السياسية بدلًا من خدمة المواطنين.
ثانيًا، يشكّل الفساد في المجالس البلدية عقبة رئيسية أمام تحقيق العدالة والشفافية، حيث يؤدي احتكار العائلات الكبرى للمناصب البلدية إلى إضعاف آليات المحاسبة، مما يسهم في سوء الإدارة وهدر المال العام. كما أن إجراءات حجب الثقة عن رئيس البلدية، رغم وجودها في القانون، نادرًا ما تُطبّق بسبب الولاءات العائلية والسياسية، مما يمنع إصلاح الأداء البلدي بشكل فعال.
لحل هذه الإشكاليات، يجب إعادة النظر في القانون البلدي لضمان إدارة فعالة وعادلة للبلديات. ومن الضروري، في الدرجة الأولى، إعادة تصميم آلية الانتخابات البلدية بحيث يتمّ تقليل تأثير العائلات والأحزاب، ما يسمح بتمثيل أوسع وأكثر عدالة للمجتمع المحلي. ثانيًا، يجب تعزيز آليات المساءلة والمحاسبة من خلال تفعيل دور الجهات الرقابية، وضمان تطبيق إجراءات حجب الثقة عن المسؤولين غير الأكفاء عند الضرورة. إضافةً إلى ذلك، يمكن اعتماد نظام يفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية داخل المجلس البلدي، بحيث يتمّ انتخاب أعضاء المجلس، بينما يتمّ تعيين رئيس البلدية من موظفي الفئة الثالثة في الدولة، شرط أن لا يتمّ تعيينه أكثر من مرة وأن يكون نزيهًا وحائزًا على شهادات وخبرة كافية تضمن قدرته على التغيير وإمكانية محاسبته بشكل موضوعي. وثالثًا، يجب إنشاء هيئات رقابية مستقلة لمتابعة أداء البلديات، وضمان تنفيذ المشاريع التنموية بشفافية وعدالة.
إنَّ إصلاح النظام البلدي في لبنان ضرورة حتمية لضمان إدارة محلية أكثر كفاءة وشفافية. فبدلًا من الإبقاء على نظام يعزز المحسوبية والفساد، يجب اعتماد قوانين جديدة تعزز الحوكمة الرشيدة وتوفر آليات مساءلة فعالة، مما يضمن تحقيق التنمية المستدامة ويعزز الثقة في المؤسسات البلدية. إن إصلاح البلديات ليس مجرد خطوة إدارية، بل هو جزء أساسي من بناء دولة القانون والمؤسسات في لبنان.
ختامًا، دوامة الفساد اليوم تُحيط بجميع مكونات الحكومة، من الوزارات وصولًا إلى الإدارات والمؤسسات الصغيرة. وللتعافي من هذا الداء، يجب أن نبدأ بالإصلاح من رئاسة البلديات وصولًا إلى المناصب السياسية العليا، كرئاسة البرلمان. فعلى عكس ما يظنّ الكثيرون، لا يمكن ترميم قمة الهرم قبل إصلاح قاعدته، حيث يبدأ الفساد ويتجذّر. فهل سيأتي اليوم الذي نتخلّص فيه من المحسوبيات الطائفية في نظامنا الديمقراطي؟



