
كتب ايلي رحمة، الفدراليّة هي “نظام سيّاسي” يُسْتَخْدَمُ في العديد من الدّول حول العالم، ويتميّز بتوزيع السّلطة بين “الحكومة المركزيّة” و”الهيئات المحليّة” أو “الإقليميّة”، كما ويشير البعض إلى أنّ النّظام الفدرالي يهدف إلى تحقيق توازن القوى وتفادي التّمركز السّلطوي الكامل في يد الحكومة المركزيّة وتوفير حلول محليّة لقضايا محدّدة
تُعْتَبَرُ الفدرالية نظامًا ديمقراطيًّا يَتيح للمواطنين المشاركة في صنع القرار، حيث يتمّ تخصيص صلاحيات واختصاصات محدّدة للحكومات المحليّة، وفي الوقت نفسه، تحتفظ الحكومة المركزيّة بصلاحياتها الخاصّة وتتولّى القضايا ذات الاهتمام الوطني.
تتنوّع أشكال الفدرالية وفقًا للثّقافات والتّاريخ والتّحديات السّياسيّة المحلّيّة، على سبيل المثال، الولايات المتّحدة الأمريكيّة هي دولة فدراليّة، حيث لكلّ ولاية صلاحياتها الخاصّة في الشّؤون المحلّيّة، بينما تتولّى الحكومة الفدراليّة القضايا ذات الاهتمام الوطني مثل الدّفاع والعلاقات الخارجيّة وكندا وأستراليا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا والبرازيل وروسيا والهند وغيرها من الدّول تعتمد أيضًا نظامًا فدراليًّا
توفّر الفدراليّة العديد من المزايا، بما في ذلك:
1. توازن السّلطة: يحمي النّظام الفدرالي حقوق الأقاليم والمجتمعات المحلية من التّسلّط السّلطوي الذي قد تمارسه الحكومة المركزيّة، يتمّ توزيع السّلطة بين الجهّات المختلفة، ممّا يساهم في توازن القوى ويحدّ من فرص التّعدّي الحكومي على حقوق الأقاليم الفرديّة
2. التّنميّة المحليّة: يتيح النّظام الفدرالي للمجتمعات المحلّيّة التّخصّص في قضاياها الدّاخليّة وتلبية احتياجات سكّانها بشكل أفضل، فهو يمنح الولايّات أو الإقليمين أو المقاطعات الصّلاحيّة في المجالات مثل التّعليم والصّحة والبنية التّحتية والتّنمية الاقتصادية، وبالتّالي، يمكن تحقيق تقدّم أكبر وتطوّر مستدام على المستوى المحلّي
3. تعزيز التّنوّع والتّسامح: يعزّز النّظام الفدرالي التّعايش والتّسامح بين مجتمعات متعدّدة الثّقافات والأعراق واللّغّات، ويتيح للأقاليم التّشريع وتنفيذ السّياسات التي تتوافق مع احتياجاتها وقيمها الثّقافيّة الخاصّة وبالتّالي، يمكن للمجتمعات الفرديّة الحفاظ على هويّتها وتعزيز التّنوّع الثّقافي واللّغوي
4. حلّ الصّراعات الإقليميّة: يعدّ النّظام الفدرالي أداة فعّالة لحلّ الصّراعات الإقليميّة والقوميّة، من خلال منح الأقاليم حكمًا ذاتيًّا في قضاياها الدّاخلية، يمكن تلبية مطالب الأقلّيات الإقليميّة وتحقيق الاستقلال النّسبي في إدارة شؤونها وبالتّالي، يمكن تهدئة التّوتّرات وتعزيز الاستقرار السّياسي
على الرغم من هذه المزايا، النّظام الفدرالي يواجه أيضًا بعض التّحديات والعيوب، بما في ذلك:
1. تعقيدات الإدارة: يعتبر النّظام الفدرالي أكثر تعقيدًا من النّظم الحكوميّة المركزيّة، حيث يتطلّب تنسيقًا دقيقًا بين الجّهات المختلفة وتحديد الصّلاحيات والمسؤوليات بشكل واضح، قد تُحْدِث تشتّت وتعقيدات في صنع القرار نتيجة الخلافات والصّراعات بين الحكومة المركزيّة والمستويات المحلّيّة
2. عدم التّوازن في التّمثيل: قد يؤدّي النّظام الفدرالي إلى عدم التّوازن في التّمثيل السّياسي، حيث يمكن أن تكون بعض الولايات أو الإقليمين أكبر سكّنيًّا أو اقتصاديًّا من الآخرين، هذا قدّ يؤدّي إلى عدم تكافؤ في توزيع القوى والموارد والمزيد من التّوتّرات السّياسيّة
3. ضعف السّيادة الوطنيّة: يمكن أن يُعْتَبَرَ النّظامُ الفدرالي تهديدًا للسّيادة الوطنية، حيث يتمّ توزيع السّلطة بين الحكومة المركزيّة والهيئات المحليّة، قد تتعارض سياسات وقرارات الحكومة المركزيّة مع مصالح الأقاليم الفرديّة، ممّا يؤدّي إلى صعوبة في تحقيق التّوافق واتّخاذ القرارات الوطنيّة الفعّالة
4. زيادة في التّكاليف الماليّة: يشترط النّظام الفدرالي توفير تمويل لكلٍّ من الحكومة المركزيّة والهيئات المحليّة، قد يؤدّي ذلك إلى زيادة التّكاليف المالية والبيروقراطية
بات النّظام الفدرالي يراه البعض ضرورة وطنيّة لحلّ المشكلات والإنقسامات الحاصلة في البلاد، كي تخرجهم من مآزقهم الإقتصاديّة والإجتماعيّة والتّربويّة والأمنيّة…إلخ، فهل سيولد هذا النّظام في لبنان في المدى المنظور أم سيبقى رهن التّطوّرات الحاصلة في الدّولة؟



