خاصمقالات

خاص بِكَفّيكم| 6:08pm

خاص بِكَفّيكم| 6:08pm

كتب رودي كلّاس، غالبًا ما نطرح على أنفسنا السؤال الشهير الذي يبدأ بلفظتي “ماذا لو”، تتبعهما سلسلة أحداث نتمناها لو حصلت لكنها لم ولن تحصل. نطرح هذا السؤال على أنفسنا فقط، لا نتشاركه مع الأخرين خوفًا من خيبة الأمل التي تحملها إجابته. نبقى مزمعين على طرحه لأنه يعطينا قوة – ولو افتراضية – تجعلنا نعمل بمشيئتنا الخاصة والأنانية لأن المشيئة العامة والمصلحة المشتركة لا تناسباننا: هما قلّما تنصفان الأقليات والضعفاء وتلبيان رغبات الكبار والأقوياء.  فهذا تمامًا ما نعيشه في لبنان يوميًا، وأبرز الشواهد على سيطرة مشيئة الأكثرية والأقوياء تفجير مرفأ بيروت في مساء ٤ آب ٢٠٢٠ عند الساعة ٦:٠٧، لكن ماذا لو…

ماذا لو كنا مدركين حقيقة الباخرة المحملة بالنيترات والتي كانت متوجهة إلى إفريقيا؟ لمَ رست في لبنان ببراءة وأفرغت حمولتها في عنبر رقم ١٢؟ لمَ قبلت وزارة الأشغال آنذاك باستقبال باخرة في حالة رديئة في مرفأ بيروت؟

ماذا لو شرح لنا وزراء الأشغال السابقون تفاصيل الأحداث والظروف والتدابير والقرارات؟ ما سبب تقاعس رؤساء الوزراء منذ ٢٠١٤ حتى ٢٠٢٠ في تأدية واجباتهم والإحاطة بموضوع كبير وخطير كهذا؟

ماذا لو اهتم القضاة المعنيون بالأمر ولعبوا دورهم على أكمل وجه؟ كيف استطاعوا إهمال كميات هائلة من المتفجرات ورمي ملفها في دُرج مكتب خشبي بدون استقصاء أو استجواب أو تحقيق؟

ماذا لو أصغى أحدهم إلى صفارات الإنذار والتحذيرات التي أطلقتها القيادات العسكرية والأمنية في البلد؟ لماذا لم يباع النيترات كما نصح قائد الجيش ونُفّذ قرار عويدات بتلحيم باب الموت المعروف بباب عنبر رقم ١٢؟

ماذا لو أُصدِرت القرارات المناسبة بالوقت المناسب كلما سنحت الفرصة؟

لكانت عقارب الساعة مرّت بال٦:٠٧ مساءً وشقّت طريقها إلى ال٦:٠٨ دون إزعاج وعرقلات!

بيروت كانت قد أنعمت بليلة هادئة، مجالها مفتوح أمام الجميع للتفكير والتأمل والتخطيط تحسبًا لأية أزمة اقتصادية قريبة. العروس حققت أحلام طفولتها وتزوجت فارسها القادم على متن حصان أبيض، محاطة بالزغاريد وهتافات الفرح. الأولاد كانوا قد أكملوا مشاهدة أفلام الكرتون، ثم تناولوا وجبة العشاء وإما اتجهوا إلى الكورنيش مرتدين كماماتهم لتمضية بعض الوقت مع ذويهم بين الأنوار وزحمة السيارات، أو خلدوا إلى الفراش حالمين بمستقبل بعيد عن التباعد والكورونا. الجد والجدة كانوا قد أنهوا مكالمة الفيديو مع حفيدتهم التي في المهجر بعد أن شكروها على المال الذي أرسلته لهم لشراء الدواء ومستلزمات العيش.

الحجّة كانت قد أمضت أمسيتها مع إبنها ال”حلو ومليح” صاحب العينين العسليتين قرب شاشة التلفاز، مع “كاسة بزورات” وكوب من العصير. والأب أمضى الليل يبحث عن أولاده الذين أرادوا الفوز بلعبة الغميضة قبل الذهاب إلى النوم.

المستشفى كان قد استقبل المواليد الجدد وسط أجواء الفرح وتَطايُر شظايا الضحكات والدموع. بينما الممرضة كانت قد أنهت عدّ رؤوس حديثي الولادة في الحاضنة لإنهاء تقريرها اليومي قبل تسليمه لمن يأتي من بعدها في الدوام الليلي.

فوج إطفاء بيروت كان قد أنعم بليلة خفيف حملها على متطوعيه الذين اتجهوا في اليوم التالي إلى منازلهم للإطمئنان على إخوتهم وأبناء عمهم وأحبائهم وأولادهم.

ماذا لو حلّت الساعة ٦:٠٨ دون سماع دوي انفجار كسّر الحجر والبشر؟

كنا قد أكملنا روتينًا مَنعَنا من عيش التضامن والتكاتف والشراكة: لما رأينا الشاب يساعد العجوز، ولا المسلم يمد يد العون للمسيحي، ولا الأطفال يبثون الأمل في الشوارع التي دمّرها الكبار. استطعنا أن نلوّن بيروت بأبهى حلل الإنسانية مساء ٤ آب، لكن هل كنا فعلًا بحاجة لأن تقف عقارب الساعة عند ال٦:٠٧؟ لماذا تفجير مرفأ ودماء آلاف الضحايا وإعاقات عشرات آلاف الأحياء جعلونا نعي قيمة الآخر وحقيقة أن غياب الآخر تعني غياب الوطن؟

 

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com