
كتبت هدى منذر:
التحرش والإغتصاب كلمتان تختلفان لغويًا في المعنى ولكنهما تتركان الآثار نفسها التي قد تكون نفسية وصحية وإجتماعية والتي تصبح جزءاً من حياة الناجين إناثًا كانوا أو ذكورًا، كبارًا أوصغارًا، فالكل معرّض لهذه الجريمة.
التفسير اللغوي للكلمتين يندرج تحت هذه التعاريف، فالتحرش هو تصرف أو سلوك جنسي غير مرغوب فيه يتعرض له الفرد دون موافقته، ويشمل التحرش اللفظي أو الجسدي أو الجنسي. ولا يقوم على ممارسة الجنس. أما الإغتصاب فهو اعتداء جنسي بالقوة أو العنف أو التهديد، ويمكن أن يحصل من خلال استعمال أدوات حادّة يتم فيه ممارسة الجنس دون موافقة الضحية.
كما ذُكِر في السابق فآثار الإثنين نفسية وجسدية خطيرة، ويتسببان في تدمير الشعور بالأمان والحب والثقة بالذات لدى الضحية الناجية. ويصبح لوم النّفس سيّد الموقف والخوف في عدّاد الثواني.
كلاهما يمثلان اعتداءً شديد الخطورة على حقوق الفرد وحياته الخاصة، ويتطلبان التعامل معهما بجدية ومحاسبة المرتكبين بأشد العقوبات.
فماذا اذا كانت الضحية طفل؟
تظهر الإحصائيات أن اغتصاب الأطفال يحدث بشكل شائع في لبنان.
وفقًا لتقرير صادر عن وزارة العدل اللبنانية في العام 2018، تم تسجيل 95 حالة اعتداء جنسي على الأطفال تحت سن 18 خلال الأشهر السبعة الأولى من العام. وتشير الدراسات إلى أن الكثير من حالات إغتصاب الأطفال في لبنان لا يتم الإبلاغ عنها، مما يعني أن الأرقام غير دقيقة.
وهذا يهدد ويؤثر بشكل كبير على حياة الأطفال وعائلاتهم ومستقبلهم.
كما وأنه وفقًا للجمعية اللبنانية للتربية الصحية، فحوالي 25% من الأطفال في لبنان يتعرضون لأنواع مختلفة من الإعتداء الجنسي، ويتم الإبلاغ عن 3% فقط من الإعتداءات الجنسية المؤكدة إلى السلطات المختصة.
وليس خفيا على أحد أن عددًا كبيرًا من حالات الإغتصاب تحدث داخل الأسرة بحيث يتعرض الأطفال للإغتصاب من قبل ذويهم أو أصدقائهم المقربين.
يرجح الإختصاصيون عدم التبليغ عن هكذا حالات يعود لأسباب عديدة ومنها الخوف إجتماعياً، بحيث أن هذا الموضوع يعتبر من المواضيع الدقيقة إجتماعياً، أي مناف للأخلاق وممنوع الحديث عنه على الرّغم من خطورته وتأثيره ومن تجرأ وأفصح عن حقيقة تعرضه لهذه الجريمة يصبح هو المذنب بنظر المجتمع المتقوقع بصرف النظر عن أن هذا الفعل القبيح يدمر ما تبقى من الضحية فكيف لو كانت بعمر الطفولة.
لم ننسى بعد ما حصل في مدرسة قمم في البقاع. والتحقيقات التي لم تتوصل إلى نتيجة، كألاف الحالات الأخرى التي لم يتم متابعتها ولا معاقبة الجاني.
قصص لا تنتهي وأحداث عديدة تحصل كل يوم.
تواجه الطفولة في لبنان العديد من التحديات والمشاكل، وانتهاك لحقوقها. فينشأ الطفل فقط على “عيب” ، “غلط”، “صح” دون أن يختار أو يعبّر، ودون معرفته سبب هذا العيب والخطأ، ويرافقه خوف وقلق غير مبرّر وكتمان لمشاعره،
ويقع اللوم في هذا على الاهل الذين يعتقدون أنّ “بعدن صغار ما بيفهوا…” وبالتالي يقع الأطفال ضحايا لهذه الأفكار، وهذا ما يؤثّر سلبا في حياتهم على كافة الأصعد، وبحال تعرضوا لأي قمع، عنف أو تحرّش يلومون انفسهم ويخفون المشاعر والنتيجة تكون كارثية.
ألاف الأطفال المقموعة والخائفة تبني شخصية بعيدة عن الحرية وحرية التعبير بالأخص، وتتربى أجيال جديدة تهاب الحقيقة وتفضّل السكوت عن الكلام والبوح عما تتعرض له. كل هذه الوقائع تساهم بإنشاء مجتمع مقموع يخطئ بالمجتمع ولا يُحاسَب. وتستمر حالات التحرش والإغتصاب تحت شعار “ما بدنا جرصة”
ويبقى السؤال إلى متى ستستمر كل هذه المعتقدات والمخاوف من وفي المجتمعات والتحفظات عن إسكات الحقائق؟



