
كتبت ملاك يحيٰ
كأن خمول اللبنانيين وضعفهم وطائفيتهم المقيتة، لم تكن كافية للقضاء على الأحلام والآمال، فها هي حركة الأرض أتت لتضع همّاً جديداً على اللبنانيين، الذين أصبحوا يبيتون في الشوارع والسيارات مع كل هزّة صغيرة.
لقد كان السادس من فبراير يوماً مشؤوماً على الشرق الأوسط عامةً، وعلى الشعبين التركي والسوري خاصةً، ذلك لأن زلزالاً ضخماً بقوة ٧.٧ درجات على مقياس ريختر كان قد ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، وأعقبه آخر لا يخفّ عنه قوةً بدرجة ٧.٦ على مقياس ريختر، وتبعهم مئات الهزات الإرتدادية، ومنها ما ضرب لبنان البلد الصغير الذي يقع على امتداد الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، والذي عانى في السنوات الأخيرة من أزمة إقتصادية خانقة.
الزلازل وحركة الأرض ليست شيئاً جديداً، على لبنان، فهو البلد الذي يحتضن ثلاث صفائح تكتونية “الصفيحة التركية، الصفيحة الإفريقية، الصفيحة العربية”، كما أنه مسقط رأسٍ لثلاثة فوالق رئيسية تقطتعه من أقصاه إلى أقصاه، ألا وهي: فالق اليمونة، أكبرها وأخطرها، فالق الروم، وفالق سرغايا.
الزلزال الأخير الذي أودى بحياة الآلاف من الأشخاص وخلَّف دماراً شاملاً في البلدين (سوريا وتركيا)، خلّف أيضاً وجهتا نظرٍ مختلفتين حول ماهية أسباب الزلازل التي بدأت في السادس من شباط وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا.
وجهة النظر الأولى، ترجّح حدوث الزلازل بسبب التحرك التكتوني، والذي يعد سبباً رئيسياً لحدوث الهزّات، إذ أن الأرض في باطنها تتشكّل من مجموعة قطع او صفائح تطفو سابحة، وهي تحْتَك ببعضها وترتطم على شكل حركات متباعدة وأخرى متقاربة، مما يؤدي إلى حدوث هزّات مختلفة الدرجات دون معرفة موعد حدوثها، وأحياناً تحدث بشكل يومي، إلّا أننا لا نشعر بها لأنها تأتي على شكل هزّات خفيفة، أي باختصار إنها من صنع الطبيعة.
في حين تطرح وجهة النظر الثانية، إحتمالية حصول الهزّات والزلازل بفعل النشاط البشري المستمر وخاصةً مع التطور الذي وصلنا إليه، وقد تذرعوا بعدّة أدلة ومنها ما نشرته دراسة لمجلة Seismological Research Letters، مفادها أن ٧٣٠ موقعاً حدثت فيها الزلازل، بسبب النشاط البشري، على مدى ال ١٥٠ عاماً الماضية. ووفقاً لهؤلاء، فإن النشاط البشري قد أدى لحصول زلازل ضخمة، تصل قوتها إلى ٧ درجات على مقياس ريختر. وبذلك قد تكون تلك الزلازل مميتة، كما ولها تأثيرات سلبية على كل من الإنسان والطبيعة، ومن بعض النشاطات البشرية التي قد تؤدي لحدوث زلازل: أولاً، التعدين وبناء السدود، بحيث أن بعض شركات التعدين، تتعمّق في عملية الحفر وتزيل عدداً من الصخور من باطن الأرض مما يؤدي إلى عدم الإستقرار فيها. ثانياً، تكسير الصخور، لأن استخدام، التكسير الهيدروليكي، يتطلب ضخ المياه والمواد الكيماوية والرمال بضغط عالٍ في الصخور، بهدف تكسيرها، مما يؤدي لظهور مياه صرف بكميات كبيرة، والتخلص من هذه المياه، يؤدي لحدوث هزّات.
يبقى الفرق الوحيد بين النظريتين، أن الزلازل الطبيعية تحدث على طول خطوط الصدع، فيما تحدث الزلازل التي يسببها الإنسان في الأماكن ذات النشاط الزلزالي الخفيف. وهنا نُطمئن اللبنانيين أنه لا وجود لوجهة النظر الثانية في بلادنا، فنحن على بعد سنوات ضوئية من التطور الذي وصلت إليه باقي الدول، في حين أننا مُعرضين بالفعل للهزّات الطبيعية التي ذكرتهَا في أول وجهة نظر، وخاصةً أن بلدنا مسقط رأسٍ لفوالق رئيسية.
وفي الختام، النوم في الشوارع والسيارات ليس حلّاً مناسباً الحل الأنسب هو أن نتكاتف لنبني دولة قادرة على إدارة الكوارث بشكل جيّد، فالكلفة التي تدفعها الدولة لتأهيل المباني اليوم، ستكون أقل بكثير من الكلفة التي ستدفعها غداً إن حدثت الكارثة..
ملاحظة: إن أي مقال ينشر على موقع “بكفّيكم” لا يمثل آراء الموقع، إنما يمثل آراء كاتبه



