ثورة العملات الرقمية
خاص بِكَفّيكم| العملات الرقمية أساس الاقتصاد العالمي الجديد

خاص بِكَفّيكم| العملات الرقمية أساس الاقتصاد العالمي الجديد
ثورة العملات الرقمية
كتب أحمد الحجيري؛ يشهد العالم تسارع التطور التكنولوجي بوتيرة مذهلة، لدرجة أن الإنسان يجد صعوبة في مواكبة كل جديد. ومن المؤكد أن هذا التطور التكنولوجي لم يكن وليد اللحظة، إنما هو نتيجة استثمار قدرات العقل البشري اللامحدودة.
منذ الثورة الصناعية الأولى، والبشر مستمرون بتوظيف كل اكتشاف جديد لتطوير تقنيات وابتكارات أكثر تقدمًا. ووصل هذا التقدم إلى مرحلة مخيفة، بقدر ما هي مهمة، وهي مرحلة ترتكز على الذكاء الاصطناعي كمصدر رئيسي لإنتاج المعرفة.
ومنذ زمن ليس ببعيد، ظهرت العملات الرقمية لتشكل ظاهرة اقتصادية جديدة. هذه العملات لا تعتمد على الذهب للحفاظ على قيمتها، كما كان معروفًا في عالم الاقتصاد، فهي تعتمد على الأكواد البرمجية (Code) وتقنية البلوكتشين (Blockchain) لتسجيل المعاملات.
فما هي العملات الرقمية؟ وأي دور ستلعبه في مستقبل الاقتصاد العالمي؟
ثورة البيتكوين
ظهرت البيتكوين (Bitcoin)، أول عملة رقمية في العالم، في عام 2009 من خلال ورقة بحثية نُشِرت باسم “ساتوشي ناكاموتو”. في بدايتها، لم تشكل العملة المشفرة موضوع اهتمام سوى لبعض الهواة الذين كانوا يقومون بتداولها.
وشكلت البيتكوين ابتكارًا ثوريًا في عالم المال بحيث أسست لنظام مالي لا مركزي لا مثيل له، مما جذب المؤسسات المالية والمستثمرين، في الفترة الأخيرة.
في أول محطة حاسمة لها، تم إنجاز أول صفقة حاسمة منحت العملة الرقمية قيمة نقدية حقيقية من خلال بيع 5050 عملة مقابل حوالي 414.65 روبية هندية، أي ما يعادل 0.0009 دولار، في أكتوبر عام 2009.
في العام التالي، تمت أول عملية شراء 10 آلاف بيتكوين مقابل شطيرتي بيتزا، وتعتبر الصفقة الأشهر في تاريخ العملات المشفرة لأنها مثلت أغلى عملية شراء بيتزا على الإطلاق. حينها، كان يتم تداول البيتكوين بسعر 0.07 دولار أي أن سعر البيتزا كان يقارب ال 700 دولار إلا أن أهمية الصفقة لا تكمن بقيمتها فقط، بل لكونها أول عملية شراء لمنتج حقيقي وملموس باستخدام عملة افتراضية.
في الخامس من ديسمبر ٢٠٢٤، حققت العملة قفزة تاريخية بحيث وصل سعرها إلى 103,900 دولار. ولكن طريق الصعود لم يكن ممهدًا بل كان مليئًا بالتقلبات؛ بحيث حققت أرباح مهمة ليسجلها التاريخ من جهة وتعرضت لخسائر وانتكاسات بثت الشك في نفوس البعض حول قدرتها على الاستمرار من جهة أخرى.
وكان العالم قد شهد خلال الفترة الماضية ظهور العديد من العملات الرقمية ومنها: Ethereum، Atom، XRP، Solana… ولكن البيتكوين استطاعت المحافظة على الصدارة، وبكل جدارة، لتبلغ قيمتها السوقية 1.91 تريليون دولار.
وسجلت العملة أعلى مستوى لها على الإطلاق بما يعادل 108,268 دولار يوم الثلاثاء الواقع في السابع عشر من ديسمبر ٢٠٢٤. وأتى هذا الارتفاع بعد تصريحات للرئيس الأميركي المنتخب، “دونالد ترامب”، تشير إلى نيته لإنشاء احتياطي استراتيجي أميركي للبيتكوين على غرار احتياطات النفط الاستراتيجية.
تقنية البلوكتشين وعملية التعدين
تعتبر تقنية Blockchain الركيزة الرئيسية لتداول العملات الرقمية من خلال عمليات البيع والشراء. وهي عبارة عن آلية متقدمة لقواعد البيانات تتيح إنشاء سجل رقمي مشفر وغير مركزي.
هذا السجل يحفظ المعاملات على شكل كتل (Blocks) مرتبطة ببعضها على شكل سلسلة (Chain) متصلة وبطريقة آمنة وشفافة.
هذا النظام مقاوم للتلاعب والعبث لأن البيانات متسقة زمنيًا، فلا يمكن الحذف أو التعديل من دون توافق من الشبكة. من هنا، يمكن استخدام هذه التقنية لإنشاء سجل حسابات غير قابل للتغيير.
يعتمد نظام سلسلة الكتل (Blockchain) على ثلاث ركائز أساسية في عمله، وهي:
اللامركزية: تستخدم اللامركزية الشفافية لتقليل الحاجة إلى الثقة بين المشاركين.
الثبات: لا يمكن لأي مشارك التلاعب بمعاملة بمجرد قيام شخص ما بتسجيلها في سجل الحسابات المشترك.
التوافق: لا يمكنك تسجيل معاملات جديدة إلا بعد موافقة غالبية المشاركين في الشبكة.
أما عملية تعدين البلوكتشين فهي المتممة للتقنية من خلال التحقق من المعاملات. وتتم هذه العملية عبر حل مسائل رياضية معقدة، مما يساعد في تأمين الشبكة والحفاظ على سلامتها من جهة، ويساعد الأشخاص الذين يقومون بالتعدين على الحصول على عملة مشفرة كمكافأة بعد إضافة كتلة جديدة إلى السلسلة من خلال حل المشكلات الرياضية.
وانطلاقًا من الركائز الأساسية للبلوكتشين، تقدم عملية التعدين العديد من الفوائد، وأبرزها:
تعزيز عملية التحقق اللامركزية: بناء الثقة بين المستخدمين، حيث تكون المعاملات شفافة وغير قابلة للتغيير.
تعزيز أمان الشبكة: من خلال حل المشاكل الرياضية المعقدة، مما يجعل من الصعب على الجهات الخبيثة العبث بالبيانات.
تعزيز الابتكار وتحفيز المشاركة: من خلال مكافأة عمال المناجم بالعملة المشفرة لجهودهم، حيث يبحثون عن طرق فعالة لتقليل التكاليف والتأثير البيئي.
مستقبل العملات الرقمية
مما لا شك فيه أن العملات الرقمية قدمت نموذجًا فريدًا في عالم المال والاقتصاد من خلال التقنيات التي اعتمدت عليها، ليس للاستمرار فقط، بل للتطور والازدهار. وأصبحت أرقامها تشكل أرقامًا صعبة في الاقتصاد العالمي وتحولت إلى عنصر أساسي في المناقشات الاقتصادية العالمية.
أسهمت العملات الرقمية في تحقيق الشمول المالي؛ حيث يمكن للأفراد الذين لا يملكون حسابات مصرفية إجراء المعاملات بسهولة.
كما أنها تقدم الخدمات بسرعة وبتكلفة منخفضة؛ حيث تتم المعاملات بالعملات الرقمية بشكل أسرع وبتكلفة أقل مقارنة بالمعاملات المصرفية التقليدية. بالإضافة إلى مبدأ اللامركزية الذي قدمته كنموذج ريادي، لا تخضع العملات الرقمية لسيطرة أي جهة مركزية.
بالرغم من إيجابياتها إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي من الممكن أن تكون عائقًا أمام اعتماد العملات الرقمية كعامل رئيسي في الاقتصاد العالمي. تعتبر تقلبات أسعار العملات الرقمية من أكبر العوائق أمام اعتمادها على نطاق واسع، ما يجعلها استثماراً محفوفاً بالمخاطر.
بالإضافة إلى ذلك، يتخوّف البعض من غياب التشريعات والقوانين الواضحة التي تنظم هذا القطاع، ما يزيد من مخاوف استغلال العملات الرقمية في عددٍ من الجرائم الإلكترونية، مثل غسيل الأموال وعمليات القرصنة وغيرها.
وفي سبيل الخروج من سيطرة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، كانت الصين من أوائل الدول التي أطلقت عملتها الرقمية «اليوان الرقمي». كما أن روسيا تعمل، وبوتيرة متسارعة، على إطلاق عملتها الرقمية الخاصة بدعم من البنك المركزي بعد حربها مع أوكرانيا وفرض العقوبات الأمريكية-الأوروبية على موسكو.
وبدورها، تعمل الولايات المتحدة على تطوير عملات مشابهة تحت إطار تنظيمي واضح، حيث أن هذه العملات الجديدة ستتغلب على العوائق بسبب الدعم الحكومي والضمانات التي توفرها السياسات الحكومية والتشريعات والقوانين في حال تم إقرارها.
وبدون أدنى شك، سيعيد هذا التحول تأسيس النظام الاقتصادي العالمي، وسيعيد هيكلة السياسات النقدية والهندسات المالية المعتمدة في جميع دول العالم. ولكن من الصعب التنبؤ بدقةٍ بمستقبل العملات الرقمية، على المدى الطويل. أما على المدى القصير، فهي في تطور مستمر ومن المتوقع لها أن تحقق مكاسب وأرباح مهمة خلال العام المقبل.
ومن الممكن أن نشهد هذه النقلة النوعية في الاقتصاد، بحيث تكون تلك العملات هي المسمار الأخير في نعش النظام المالي التقليدي. كما أنه من الممكن أن تبسط سيطرتها على الحقبة الاقتصادية الجديدة بعد هيمنة الدولار الأمريكي على الحقبة الحالية.



