
خاص بِكَفّيكم: برنامج إيران النووي يدها الحديدية أم يدها التي تؤلمها؟
البرنامج النووي الإيراني بين “السلمية” و”التسلح”
كتب أحمد الحجيري – البرنامج النووي الإيراني بين “السلمية” و”التسلح”. – شكل البرنامج النووي الإيراني مفترق طرق للجمهورية الإسلامية في كثير من المناسبات. وكان البرنامج بمثابة سيف ذي حدين بالنسبة لإيران؛ حيث استُخدمت ورقته للحصول على بعض المكاسب والمصالح عبر الدبلوماسية. كما أن البرنامج استُخدِم كورقة ضغط على النظام الإيراني عبر فرض العقوبات الغربية.
وبعد اندلاع حرب غزة وتصاعد الصدام بين إسرائيل من جهة وإيران والفصائل الموالية لها من جهة أخرى! تم تداول معلومات عن احتمالية استهداف منشآت إيران النووية ضمن الردود المتبادلة بين الطرفين. فما هي أهم تفاصيل البرنامج النووي الإيراني؟
البرنامج النووي قبل الثورة الإيرانية
في خمسينيات القرن الماضي، بدأت قصة البرنامج النووي الإيراني. وللمفارقة، فقد دعمت الولايات المتحدة، في إطار برنامج “الذرة من أجل السلام” نظام الشاه، من خلال تشييد مفاعل للأبحاث في جامعة طهران.
وكانت واشنطن قد أبدت رغبتها في بناء المزيد من المفاعلات الكهرونووية. لكن النظام الإيراني حينها فضّل التعاون مع الشركات الألمانية بسبب ارتفاع كلفة المفاعلات الأميركية. وبالفعل، تم بناء مفاعلين كهرونوويين في مدينة بوشهر واللذين بدأ تشغيلهما عام 1974.
في العام 1979، اندلعت الثورة الإيرانية والتي أدت إلى تغيير هيكلية النظام في إيران من الشاه إلى النظام الجمهوري الإسلامي، الشيعي تحديدًا. وبدأ النظام الجديد بتطوير مشروعه بشكل مستقل بعد انكفاء ألمانيا بسبب معاداة نظام الخميني للغرب… خاصة الولايات المتحدة الأمريكية ومن بعدها إسرائيل.
تطوير البرنامج
وجدت إيران في الاتحاد السوفياتي، سابقًا، حليفًا استراتيجيًا في وجه الغرب، وخصوصًا بعد قصف العراق لمفاعلي بوشهر أثناء الحرب العراقية الإيرانية. وقد تعاقدت طهران مع موسكو في العام 1995 بمشروع يقضي بتحويل المفاعلين المدمرين إلى النوع المعتمد في الاتحاد السوفياتي.
وكانت إيران قد عزمت الحصول على “البلوتونيوم” وعلى “اليورانيوم” العسكري اللذين دخلتا في قائمة صناعات الولايات المتحدة أثناء الحرب العالمية الثانية.
وتحت شعار الأبحاث العلمية، بررت الجمهورية الإسلاميّة توسيع برنامجها النووي مستفيدةً من تجارب غيرها من الدول، وخصوصًا العراق.
وكان توفر اليورانيوم الطبيعي في إيران، وإخفاء المنشآت في أبنية يصعب الكشف عنها من الجو. وانعدام عنصر الجواسيس في كادرها النووي من أبرز العوامل التي ساعدت إيران على تطوير برنامجها النووي.
في العام 2003، كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن منشآت نووية سرية. مما أثار قلق المجتمع الدولي وصعّد الخلافات بين إيران والغرب، حيث اتُهمت إيران بالسعي لامتلاك أسلحة نووية.
الاتفاق النووي الإيراني
أدى هذا الاكتشاف إلى اندلاع أزمة دولية كبيرة بين إيران من جهة والغرب من جهة أخرى، وفي مقدمته الولايات المتحدة. استمرت هذه الأزمة مدة 12 سنة قبل التوصل للاتفاق النووي الإيراني في العام 2015. والذي قضى بفرض قيود على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على النظام الإيراني.
وعُرف الاتفاق المؤلف من 159 صفحة بـ “خطة العمل الشاملة المشتركة”. وقد تم توقيعه في 4 نيسان 2015، بين مجموعة ال “5+1” وإيران في لوزان في سويسرا. وفي العام 2015، صادق مجلس الأمن الدولي على الاتفاق (القرار 2231)… أوكل بموجبه أمر التحقق من امتثال إيران لأحكام الخطة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقد فرض الاتفاق على إيران قيودًا على تخصيب اليورانيوم وتخزينه. إغلاق أو تعديل منشآت في عدة مواقع نووية… والسماح بزيارات مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية للمواقع والمنشآت والمفاعلات النووية الإيرانية.
ودخل حيز التنفيذ مطلع العام 2016، ولكن الأمور ما لبثت أن تدهورت بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة الأميريكية. بحيث أعلن الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 8 أيار 2018، وأعاد فرض العقوبات على إيران.
وفي المقابل، قامت إيران بتخصيب اليورانيوم فوق المستويات المسموح بها، وقلصت تعاونها مع المفتشين الدوليين. ولكن الرئيس الجديد جو بایدن تخلّى عن موقف سلفه دونالد ترامب الرافض للاتفاق. مما أتاح استئناف المفاوضات الرامية إلى إحياء الاتفاق عينه.
جولات المفاوضات والصارع الاسرائيلي الايراني
وبعد 6 جولات من المفاوضات بين نيسان وحزيران من العام 2021، تم وضع الخطوط العريضة لتسوية مناسبة حول البرنامج النووي، ورُفعت العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلاميّة. عُلّقت المفاوضات لفترة 5 أشهر بسبب الانتخابات الإيرانية التي أجريت في حزيران من العام 2021. ولم يتم تحقيق أي تقدم ملحوظ منذ استئناف المفاوضات حتى الآن. ولكن اندلاع حرب غزة وتوسع الصراع الإسرائيلي – الإيراني أعاد البرنامج إلى الواجهة… بعدما تداولت معلومات تتحدث عن أن منشآت إيران النووية ستكون من ضمن الأهداف المحتملة لإسرائيل.
وفي تطور لافت، فقد وصل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 13 من تشرين الثاني من العام 2024، رافاييل غروسي إلى طهران لإجراء محادثات بشأن البرنامج.
يشكل البرنامج النووي الإيراني قضية جيوسياسية بارزة. وبين ما هو معلن تحت عنوان “السلمية” وما هو مخفي تحت عنوان “السلاح النووي”… أثارت هذه القضية الجدل، وساهمت في تصاعد النزاع في العالم عمومًا، وفي الشرق الأوسط خصوصًا، مما يلزم جميع الأطراف المعنية بالبحث عن حل سلمي ودائم لها.



