الأنهار الميتة في الوطن العربي
الأنهار الميتة… كيف ندفن المياه بأيدينا في العالم العربي؟

الأنهار الميتة في الوطن العربي
ما المقصود بـ”النهر الميت”؟
ليس المقصود بـ”النهر الميت” مجرد مجرى جاف… بل هو نهر لا يحمل حياة.
في علم البيئة، يُعرّف “النهر الميت” بأنه مجرى مائي انخفض فيه تركيز الأوكسجين بشكل حاد، بسبب تلوّث عضوي أو صناعي، ما يمنع الكائنات الحية من العيش فيه.
وفق تعريف World Water Council، “النهر الميت هو النهر الذي لم يعد يُستخدم للشرب أو الري أو الصيد بسبب التلوّث، ويُعتبر منطقة صحية خطرة”.
أسباب موت الأنهار في عالمنا العربي
رغم تنوع الجغرافيا العربية، إلا أن أسباب موت الأنهار تتكرّر في كل بلد تقريبًا:
1. مجاري الصرف الصحي
يُعد تدفّق مياه الصرف الصحي غير المعالجة إلى الأنهار السبب الأوّل للتلوث العضوي.
في لبنان مثلًا، تشير تقارير UNDP إلى أن أكثر من 92% من مياه الصرف تُصبّ مباشرة في البحر أو الأنهار دون معالجة.
2. النفايات الصناعية والزراعية
المصانع تصبّ مخلفاتها الكيميائية مباشرة في الأنهار.
وفي المناطق الزراعية، تُغسل المبيدات الحشرية والأسمدة وتنساب إلى المياه، ما يؤدي إلى تلوّث دائم.
وفق دراسة نشرتها Science of the Total Environment (2022)، فإن النيل يحتوي على آثار لمبيدات ومركبات كيماوية ضارّة تتجاوز الحد الآمن بأكثر من 5 أضعاف.
3. قلة المعالجة البيئية
الدول العربية تفتقر غالبًا إلى محطات معالجة فعّالة، أو أن ما هو موجود قديم أو لا يعمل بانتظام.
في العراق، توقفت محطات المعالجة في بغداد عن العمل لسنوات، ما حوّل مجرى دجلة إلى مصدر تلوّث مباشر.
دراسات توثّق الكارثة
تقرير البنك الدولي (2023):
ذكر أن “90% من مصادر المياه السطحية في الدول العربية تعاني من مستوى مرتفع من التلوّث العضوي”.دراسة في مجلة Environmental Monitoring and Assessment (2021):
وجدت أن أكثر من 70% من الأنهار في المنطقة تحتوي على مستويات غير صحية من النيترات والبكتيريا البرازية.المعهد الدولي لإدارة المياه IWMI:
أشار إلى أن “الأنهر في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تخسر قدرتها على تجديد ذاتها بسبب تدهور جودة المياه”.
حالات عربية… أنهار تحوّلت إلى مجارير
نهر الليطاني – لبنان
نهر الليطاني، الأطول في لبنان، تحوّل من مورد حياة إلى مصدر للأمراض.
تقارير وزارة الصحة عام 2022 أظهرت نسب بكتيريا برازية تتجاوز 800 ضعف الحد المسموح به.
أُصيب الآلاف بأمراض جلدية وتنفسية، وانهارت الزراعة في البقاع الأوسط.
نهر النيل – مصر
رغم أن النيل أطول نهر في العالم، إلا أن قسمه الشمالي يعاني من تلوّث خطير.
تقرير جهاز شؤون البيئة المصري عام 2022 أظهر وجود “أكثر من 100 منشأة تصبّ مخلفاتها في النيل دون معالجة كافية”.
نهر دجلة – العراق
في السنوات الأخيرة، انخفض منسوب دجلة بشكل خطير، بالتزامن مع زيادة في التلوّث الصناعي والزراعي.
تقرير منظمة Save the Tigris كشف أن بعض المناطق لا تُستخدم فيها مياه دجلة حتى لري المزروعات.
كيف يؤثر هذا التلوث على صحتنا؟
تلوث الأنهار لا يقتل السمك فقط… بل يهدّد الإنسان يوميًا.
الأمراض المرتبطة:
- التيفوئيد
- التهاب الكبد A
- الكوليرا
- أمراض جلدية وتنفسية
- اضطرابات هرمونية بسبب المبيدات
دراسة لـLancet Planetary Health ربطت بين تلوث المياه وزيادة سرطان الكبد والأمعاء في مناطق قرب الأنهار الملوثة.
الحلول: هل من أمل؟
رغم خطورة الوضع، الحلول موجودة إذا وُجدت الإرادة السياسية والاستثمار البيئي:
- إنشاء محطات معالجة جديدة
- إلزام المصانع بالمعايير البيئية
- إطلاق حملات توعية مجتمعية
- استثمار في التكنولوجيا الخضراء لتنظيف المياه
- تشجيع المبادرات البيئية المحلية
دولة المغرب بدأت بالفعل بمشروع “تنظيف وادي ملوية”، ولبنان يسعى لإعادة إحياء الليطاني عبر برنامج ممول من الاتحاد الأوروبي.
خلاصة: نقتل الحياة بالماء
الأنهار ليست مجرد مجاري للمياه… بل شرايين حياة.
وحين نُهملها، نُهمل الزراعة، والصحة، والمستقبل.
إذا لم تتحرّك المجتمعات والحكومات بسرعة، فستتحوّل كل أنهارنا إلى مقابر مائية… بلا سمك، بلا شجر، وبلا بشر.
إقرأ أيضًا:الشق العظيم… قارة أفريقيا تبدأ رحلة الانفصال من باطن الأرض وتمزّق تدريجي



