
شيماء الخطيب؛ المالكون والمستأجرون إلى الواجهة من جديد – أزمة الإيجارات تعود.. الدولة تقرّ القانون والمستأجرون إلى الشارع!
يرزح لبنان تحت وطأة أزمات كبيرة، بدءًا من نتائج الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليه، وصولًا إلى الأزمة الاقتصادية القديمة – الجديدة التي أهلكت البلاد والعباد. وتتدرج من هذه الأزمات العامة، أزمات صغيرة يكمن الشيطان فيها. من بين هذه الأزمات، قانون الإيجارات الذي يضع المالكين في وجه المستأجرين القدامى.
المستأجرون القدامى إلى الشارع من جديد
عادت القصة إلى الواجهة الأسبوع الماضي، بعد أن نزل عدد من المستأجرين إلى الشارع، اعتراضًا على تنفيذ الحكومة لقانون الإيجارات الجديد الذي أقرّ في العام 2023. فما هو هذا القانون وما قصته؟
جاء هذا القانون بعد اعتراض المالكين على موضوع الإيجارات القديمة، خصوصًا بعد الأزمة الاقتصادية التي حلّت على البلاد في العام 2019. كانت العقود القديمة تمنح حماية للمستأجرين بأسعار إيجار زهيدة (في بعض الأحيان لا تتجاوز 10 دولارات سنويًا، وهو ما خلق فجوة كبيرة في العدالة بين المالكين والمستأجرين على مدى عقود طويلة.
لذلك، أقرت الدولة في العام 2023 قانون إيجارات جديد، لكنّ حكومة نجيب ميقاتي لم تنفّذه. إلا أنّ نواف سلام، وبعد استلامه رئاسة الوزراء، قرر تنفيذه ونشره في الجريدة الرسمية. يهدف القانون الجديد إلى تحرير عقود الإيجار القديمة تدريجيًا للوصول إلى ما يُعرف بـ”بدل المثل” أو القيمة السوقية العادلة.
وعليه، تُحدد فترة انتقالية تمتد من سنتين إلى أربع سنوات، يُتاح للمالكين خلالها خياران: إما التنازل عن الزيادات التدريجية مقابل استرداد المأجور بعد سنتين مع استمرار المستأجر في دفع الإيجار القديم، أو تطبيق زيادات تدريجية على الإيجار تبدأ بنسبة 25% من قيمة بدل المثل في السنة الأولى، وترتفع إلى 50% في السنة الثانية، ثم تصل إلى 100% في السنتين الثالثة والرابعة.
يهدف هذا التعديل إلى إعادة العدالة للمالكين الذين ظلوا يتلقون إيجارات رمزية منذ عقود، لكنه أثار قلق المستأجرين خاصةً أصحاب المحال التجارية والمؤسسات الصغيرة، الذين قد لا يستطيعون تحمل الزيادات المفاجئة في الأسعار، مما دفعهم للنزول إلى الشارع.
هل هذا القانون عادل في ظل الأزمة الاقتصادية التي نعيشها؟
في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة في لبنان، يُعد تعديل بدلات الإيجار، خصوصًا في العقود غير السكنية، مسألة حساسة تتطلب دراسة معمقة لتقييم تأثيراتها المحتملة على الاقتصاد المحلي.
فزيادة بدلات الإيجار بنسبة تصل إلى 8% من القيمة البيعية للمأجور، كما هو مقترح، قد تفرض أعباءً مالية كبيرة على المؤسسات التجارية والمهن الحرة والحرفية الصغيرة والمتوسطة، مما قد يؤدي إلى إغلاق هذه المؤسسات وصرف موظفيها، أو حتى تسليم المأجور إلى المالك لعدم القدرة على تحمل التكاليف المرتفعة.
علاوة على ذلك، قد تسهم هذه الزيادات في رفع أسعار السلع والخدمات، حيث قد يضطر أصحاب الأعمال إلى تمرير التكاليف الإضافية إلى المستهلكين، مما يزيد من حدة التضخم ويؤثر سلبًا على القدرة الشرائية للمواطنين.
بالنظر إلى هذه التحديات، من الضروري أن تترافق أي تعديلات على بدلات الإيجار مع سياسات داعمة، مثل تقديم إعفاءات ضريبية أو دعم مالي للمستأجرين المتضررين، لضمان استقرار النشاط الاقتصادي وتجنب تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
*قانون الإيجارات الإماراتي نموذج لضمان حقوق المالكين والمستأجرين*
خلال هذه الفترة، تبرز تحديات كبيرة متعلقة بتعديل بدلات الإيجار في لبنان، خصوصًا في ظل تدهور قيمة الليرة اللبنانية وارتفاع تكاليف المعيشة. ويلاحظ أن بعض المالكين بدأوا في دولرة بدلات الإيجار، مما يزيد من الأعباء المالية على المستأجرين.
في هذا السياق، يمكن الاستفادة من التجربة الإماراتية، حيث أطلقت دبي نظام “إيجاري” الإلكتروني في العام 2010، بهدف تنظيم سوق الإيجارات وضمان حقوق المالكين والمستأجرين. يسهّل هذا النظام تسجيل عقود الإيجار، ويوفر قاعدة بيانات مركزية لمراقبة السوق وحل النزاعات. بالإضافة إلى ذلك، يعد تسجيل “إيجاري” شرطًا أساسيًا للحصول على خدمات حكومية مثل الكهرباء والمياه وتجديد التأشيرات.
تطبيق نظام مشابه في لبنان قد يُساهم في تنظيم سوق الإيجارات، وتحديد زيادات الإيجار بناءً على مؤشرات سوقية دقيقة، وحماية حقوق جميع الأطراف، وهذا من شأنه أن يقلل من التفاوتات في الأسعار وظروف التعاقد، ويعزز الشفافية في السوق العقاري اللبناني.
هل هذه التجربة قابلة للتنفيذ في لبنان؟
في خضمّ المشاكل الكبيرة التي تعصف بالبلاد، يبدو الأمر شبه مستحيل. ولكن، من الأجدى أن تدرس الحكومة مطالب المستأجرين والمالكين بطريقة معمقة أكثر قبل تنفيذ القانون أو نشره.
صحيح أنّ المالكين يعانون بسبب الأوضاع الراهنة، ولكن هذه الأزمة حلّت على الجميع، فالمستأجرين أيضًا يعانون وبحاجة للنظر إلى وضعهم.
أخيرًا، مشكلة الإيجارات هي مشكلة جدية تتطلب دراسة تقنية شاملة بجوانبها كافة قبل بتّها بطريقة نهائية. فهل نصل يومًا ما لحلّ نهائي لهذه الأزمة؟



