خاصمقالات

التوحيد عند كمال جنبلاط والتوحيد الدرزي

خاص بِكَفّيكم: التوحيد عند كمال جنبلاط والتوحيد الدرزي: بين الفلسفة والانتماء العقائدي

فاتن غرزالدين؛ التوحيد عند كمال جنبلاط والتوحيد الدرزي: بين الفلسفة والانتماء العقائدي

التوحيد هو جوهر العقيدة الدرزية، وهو أيضًا محور الفلسفة الروحية لكمال جنبلاط، لكن كل منهما ينطلق من رؤية مختلفة. فبينما يمثل التوحيد الدرزي مذهبًا دينيًا خاصًا له تعاليمه المغلقة، قدّم كمال جنبلاط فهمًا فلسفيًا وروحانيًا للتوحيد يستند إلى نظرة كونية شمولية.

 

التوحيد الدرزي: عقيدة باطنية خاصة

التوحيد في العقيدة الدرزية هو مبدأ روحي وفكري قائم على الإيمان بوحدانية الله المطلقة، ولكن بفهم خاص يختلف عن التوحيد في الديانات الإبراهيمية الأخرى. يُعرف أتباع المذهب الدرزي بأنهم “الموحدون”، ويرتكز مذهبهم على مفاهيم باطنية مثل التقمص كوسيلة لاستمرار الروح في سعيها نحو الكمال، إضافة إلى الإيمان بالعقل الكلي وضرورة طاعة الحكمة الإلهية المتمثلة في تعاليم “رسائل الحكمة”.

هذا التوحيد هو جزء من هوية دينية مغلقة، حيث لا يُسمح لغير الدروز بالانضمام إلى المذهب، ولا يُكشف للعامة عن أسرار العقيدة إلا بعد مرحلة معينة من النضج الروحي والفكري. هناك تقسيم بين “العُقّال” (الموحدين الملتزمين) و”الجهّال” (الذين لم يتعمقوا في الدين)، مما يعكس طبيعة التوحيد الدرزي كنظام ديني قائم على المعرفة الباطنية.

 

التوحيد عند كمال جنبلاط: نظرة فلسفية شمولية

أما كمال جنبلاط، فقد كان التوحيد عنده أبعد من مجرد عقيدة دينية خاصة، بل كان فلسفة روحية وإنسانية تتجاوز الانتماءات الطائفية. تأثر جنبلاط بالفكر الهندي والبوذي والصوفي، ورأى أن التوحيد الحقيقي هو إدراك وحدة الوجود، حيث لا يوجد انفصال بين الإنسان والله، بل كل شيء هو تعبير عن الحقيقة الإلهية الكبرى.

بالنسبة لجنبلاط، كان التوحيد يعني التحرر من القيود المادية، والتجاوز عن الانقسامات الدينية والطائفية، والبحث عن الحقيقة عبر التأمل الذاتي والسلوك الأخلاقي المستقيم. دعا إلى الوحدة بين الأديان وإلى ترك التعصب والانغلاق، وكان يرى أن جوهر كل الأديان واحد، وهو السعي نحو الكمال الروحي والمعرفة الحقيقية.

 

التقاطع والاختلاف بين المفهومين

هناك بعض الجوانب المشتركة بين التوحيد الدرزي والتوحيد بفكر كمال جنبلاط، فكلاهما يؤكد على دور العقل في فهم الإيمان، وكلاهما يتحدث عن السمو الروحي كهدف أعلى للإنسان. ومع ذلك، هناك اختلافات جوهرية:

  1.  الانغلاق مقابل الانفتاح: التوحيد الدرزي دين مغلق، بينما توحيد جنبلاط فلسفة منفتحة تتجاوز الدين والطائفة.
  2.  الطقوس والتعاليم: التوحيد الدرزي يتطلب التزامًا بطقوس وتعاليم سرية، بينما جنبلاط دعا إلى تأمل فردي وتجربة شخصية للخلاص الروحي.
  3.  النظرة إلى الإله: التوحيد الدرزي يؤمن بالله كوجود متعالٍ يُدرَك عبر العقل والكشف الباطني، بينما جنبلاط اقترب من مفهوم وحدة الوجود، حيث يرى أن الله في كل شيء.
  4. الهوية الاجتماعية والسياسية: التوحيد الدرزي مرتبط بحماية المجتمع الدرزي كجماعة متماسكة، أما التوحيد الذي رآه جنبلاط فهو دعوة للتحرر من الانتماءات الضيقة إلى فضاء إنساني أوسع.

 

يمكن القول إن التوحيد الدرزي هو عقيدة إيمانية ترتكز على سرية المعرفة وخصوصية الانتماء، بينما توحيد كمال جنبلاط هو رؤية فلسفية تدعو إلى الوحدة الروحية بين البشر. كلاهما يحمل بُعدًا باطنيًا، لكن أحدهما مقيّد بقواعد دينية خاصة، والآخر يسعى إلى تحطيم الحدود والانطلاق نحو فضاء روحي كوني.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com