خاصمقالات

ترمب يقامر بمستقبل الولايات المتحدة

خاص بِكَفّيكم: من كومبارس في HOME ALONE الى رئيس الولايات المتحدة

إبراهيم عفيفي؛ خاص بِكَفّيكم: ترمب يقامر بمستقبل الولايات المتحدة، من كومبارس في HOME ALONE الى رئيس الولايات المتحدة

العالم لن يعرف الهدوء رغم زعمه أنه قادم من أجله، هكذا كان لسان حال العديد من الباحثين والقارئين عند تولّي ترامب رئاسة البيت الأبيض في 20/1/2025. فمنذ بداية عهده، أطلق الرئيس الأميركي الجديد الكثير من الآراء الغريبة والأفكار العجيبة غير المفهومة. بدأ ترامب عهده باصطدامه مع الداخل الأمريكي، وحلفائه الأوروبيين، وجيرانه في أمريكا الجنوبية وكندا، بل وحتى بعض المسالمين المحايدين في غرينلاند. أخيرًا، اصطدم ترامب بالفئة القليلة التي لم تستطع إسرائيل القضاء عليها خلال 15 شهرًا من الحرب.

 

كـنـدا الـصـديـق الـصـدوق والـخـصـمُ الـلـدود

منذ اليوم الأول من ولايته، صدم ترامب العالم أجمع بقوله أنه يرغب بأن تكون كندا الولاية الواحدة والخمسين، الأمر الذي دفع بكل السياسيين الكنديين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء، بإدانة ورفض هذه التصريحات باعتبارها تصريحات عدائية.

لكن، وعلى الرغم من كثرة التصريحات المتعلقة بـ”ضم كندا”، إلّا أنه لا يمكن اعتبار هذا القرار سوى هذي من هذيان ترامب. عمليًا، ليس ترامب المتحكم الوحيد والآمر الناهي في السياسة الأمريكية، فالولايات المتحدة دولة مؤسسات وبيروقراطية ثابتة منذ أكثر من قرنٍ من الزمن. وحتى لو تم خرق هذه البيروقراطية بعددٍ من القرارات والمراسيم والتعيينات، إلا أنه من شبه المستحيل خرقها بقرارات لا تؤثر فقط على الولايات المتحدة وحسب، بل على العالم بأكمله. لذا، ستبقى هذه التصريحات ضمن نطاق محاولة إلهاب جماهير اليمين العنصري في الولايات المتحدة.

 

غـريـنـلانـد وقـنـاة بـنـمـا

إن الحديث عن غرينلاند وقناة بنما ليس كالحديث عن كندا، فالحديث عنهم يمكن النظر إليه بنوع من المنطق كمبدأ… وليس كأقوال ترامب وأحاديثه. فغرينلاند وقناة بنما في وضعهما الحالي قد يشكلان خطرًا على الأمن القومي الأمريكي. وذلك بسبب التوغل الصيني المهول في هاتين المنطقتين القريبتين من الولايات المتحدة الأمريكية. من جهة، غرينلاند فيها من المعادن والمشتقات النفطية الكثير، وهي أمور لا غنى للصينيين عنها. من جهة أخرى، قناة بنما تعتبر شريان حياة الأسطول الأمريكي سواءً المدني منه أو العسكري. فمن بين كل عشرة آلاف سفينة تجارية أمريكية، تمرّ ستة آلاف منها من قناة بنما، فكيف بمئات آلاف السفن سنويًا؟ إن لم تكن بالملايين. بالإضافة لذلك، أكثر من 30% من السفن التي تدخل الموانئ الأمريكية او تخرج منها تمر من هذه القناة.

يحاول الصينيون إيجاد موطئ قدمٍ لهم في هذه المنطقة ذات الأهمية الجيو استراتيجية، ولكن من غير الوارد حل مشاكل هذه المناطق من خلال القوة أو بمبدأ السيطرة التي يتحدث عنها ترامب، فهناك حلول من الممكن أن تكون أكثر منطقية.
أحد هذه الحلول الواردة في المدى المتوسط هو انفصال غرينلاند عن الدنمارك، على أن تبقى دولة مستقلة متمتعة بالحماية الأمريكية، مثل العديد من الدول والجزر في أمريكا الوسطى، وذلك من أجل منع الصين من إيجاد مدخلٍ لها لهذه المنطقة، مع الحفاظ عليها خارج السيادة الأمريكية بالمعنى الفيدرالي. أما بالنسبة لقناة بنما فمن الممكن إخضاعها لاتفاقيةٍ تمنع الأفضلية لأيٍ كان على الآخر، وإبعادها عن الصراعات مهما ازدادت حدتها، مما يؤمّن للولايات المتحدة حماية أسطولها المدني والعسكري من تحمل تبعات أي تقرب صيني بنامي.

 

أوروبــا حــلــيــف الامــس عــدو الــيــوم

منذ عهده السابق، يحاول ترامب الاصطدام مع حلفائه الأوروبيين في الناتو، ولم يتخلَّ عن سياسته هذه تجاه أوروبا حتى في بداية الفترة الرئاسية الحالية. فمنذ أيامه الأولى، يسعى الرئيس الأميركي لفكّ الارتباط مع الجبهة الأوروبية، والتأكيد على أنه ليس بالضروري أن يكون أعداء أوروبا أعداءً للولايات المتحدة أيضاً. ومنذ فترة رئاسته الأولى، عُرِفَ ترامب بكونه صديقًا لبوتين وكيم جونغ اون، وذلك لتجنب الاصطدام معهم، بل ولمحاولة بناء علاقة جيدة معهم أيضاً.

ظهرت محاولات ترامب جليةً خلال اجتماعه في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي. وبدت محاولات ترامب لإهانة وتوبيخ زيلينسكي واضحةً أمام الملأ والحاضرين من الصحفيين. لكن الصادم أن زيلينسكي لم يلتزم الصمت، بل ردَّ على ترامب، وبصوتٍ عالٍ، ما دفع بالرئيس الأوكراني لمغادرة البيت الأبيض دون مراسم أو توديع. وعندما سُئل ترامب عمّا إذا تم طرد زيلينسكي، رفض الإجابة، ما أوصل المغزى دون حاجةٍ للكلمات. ومن اللحظات التي يجب الالتفات لها، هي ما حصل خلال اللقاء بينهم، عندما قاطع نائب الرئيس الأمريكي فانس رئيسه ترامب ونظيره الأوكراني زيلينسكي لكي يوبخه علانية، وهو ما لم يسبق له أن حصل في البيت الأبيض. هنا، نعرّج على الغوغاء الحاكمة حتى في الداخل الأمريكي.

 

تــرامــب يــُهــيــن الــدولــة الــعــمــيــقــة

منذ تولّي ترامب إدارته، وهو يحارب الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وذلك لاعتقاده وإيمانه أن الانتخابات السابقة كانت مزوّرة… وأنه كان من حقه أن يستلم الرئاسة وليس بايدن. وحرب ترامب هذه لا تقتصر فقط على التصريحات؛ بل تتعدّاها لتنفيذ خططٍ، حيث تمّت تنحية أكثر من 30 ألف موظف فيدرالي! من بينهم حوالي ألفي ضابط من أصحاب الرتب العليا في مكتب التحقيق الفيدرالي.
يعتبر مكتب التحقيق الفيدرالي أقوى أذرع السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، وله اليد في جل القضايا الكبرى على المستوى الداخلي. لكن بالمقابل، وكما ذُكر سابقًا، حتى وإن حاول ترامب تنفيذ هذه السياسات او حتى إن نفّذ بعضها بالفعل… فإنه سيصل الى مرحلة يصطدم فيها بالواقع المتشعب لهذه المؤسسات. وإن بقي ترامب على حالته الجارية… قد يصل قريبًا الى عجزٍ يمنعه عن اتخاذ قرار تنفيذي يتيح له أن يقيل أو ينحّي أحد كبار الموظفين. خاصةً بعد الانتخابات النصفية في الكونغرس عام 2027. والجدير بالذكر أنه، في التاريخ الأمريكي الحديث، لم يسبق لرئيسٍ حاكم أن استطاع حزبه الفوز في الانتخابات النصفية. فإذا كان الكونغرس بيد الديمقراطيين ذهب للجمهوريين وهكذا.

 

فــرصــة أخــيــرة لــلإجــرام مــع اهــل غــزة

بعد خمسة عشر شهرًا من الحرب والدمار والقتل والتجويع… يخرج ترامب ليقول لأهل غزة “اخرجوا من أرضكم”، داعيًا إياهم للهجرة الى مصر والأردن. وهذه المشكلة ليست محصورة بفكر ترامب وحده! بل هي عقيدة النخبة الأمريكية التي لا يعرف أفرادها معنى الأرض والتضحية في سبيلها. فهم فيها لاجئون جاؤوها من أوروبا ليستوطنوها ويبيدوا أهلها، تمامًا كما يفعل الإسرائيليون.
وما لا يفهمه ترامب بعد هو أنه بعد أن تشبّعت الأرض الفلسطينية بدماء أكثر من 50 ألف شهيد… فالتمسك بالأرض والحق يصبح أقوى وأشد. والمثل الفلسطيني القائل “بكل دار في ثار”، لا يشمل فقط ثأرًا من الإسرائيليين… بل ثأر من المنظومة الإجرامية قاطبةً، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي لم تفوّت يومًا من أيام الحرب إلا وأرسلت فيه ذخيرة لقتل أصحاب الحق. في هذه الحالة، مصطلح الحرب الكونية على غزة لا يمكن إلا أن يكون صحيحًا.

نختتم بالقول بإن الجميع يدرك أن ترامب هاوي أقوال لا أفعال، وصاحب هوسٍ بالإعلام. ومع ذلك، لا يجب الاستهانة بأي من تصريحاته. فخلف ترامب ما يمكن وصفه بالإدارة الأكثر تطرفًا في التاريخ الأمريكي، والتطرف هنا داخلي وخارجي، سياسي واقتصادي، على حدٍّ سواء. لذا، وبالرغم من أقواله شبه الخيالية، إلا أنه يجب أخذه على محمل الجد للتمكن من مواجهته.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com