
د. ضياء عزام؛ الحزب بعد نصر الله: قوة متآكلة أم سقوط محتوم؟
لم يكن تشييع السيد حسن نصر الله مجرد وداع لقائد، بل كشف النقاب عن حقيقة مُرة تواجه حزب الله: مستقبل غامض، حلفاء مترددون، وقوة عسكرية لم تعد العامل الحاسم في المعادلات الداخلية والخارجية. ومع استعراض الطيران الحربي في سماء بيروت، بدا الحزب وكأنه يحاول التشبث بهيبة قديمة، بينما الواقع يؤكد أن اللعبة لم تعد كما كانت.
حزب الله: التمثيل السياسي بين الولاء والتحديات
لطالما كان حزب الله لاعبًا رئيسيًا في المشهد السياسي اللبناني، لكن غياب نصر الله ترك فراغًا يصعب ملؤه بسهولة. فقد كان الرجل شخصية كاريزمية قادرة على توحيد الصفوف داخليًا وإدارة التحالفات الخارجية. ومع تولي نعيم قاسم القيادة، يبدو أن الحزب يواجه اختبارًا حقيقيًا للحفاظ على نفوذه.
لكن المثير للجدل أن قاسم لم يحضر شخصيًا مراسم التشييع، وهو غياب يطرح تساؤلات عديدة: هل هو إجراء أمني احترازي خوفًا من استهدافه كما حدث مع نصر الله؟ أم أن هناك تباينات داخلية بدأت بالظهور داخل الحزب؟ البعض يرى أن غياب قاسم مؤشر على إعادة ترتيب البيت الداخلي، بينما يعتبره آخرون خطوة تعكس هشاشة القيادة الجديدة.
التأثير الجماهيري: حشود بالملايين أم أزمة ثقة؟
رغم الأعداد الضخمة التي شاركت في التشييع، فإن هذا الحشد قد يكون رد فعل عاطفي أكثر من كونه دليلًا على استمرار الهيمنة المطلقة للحزب. فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية، بدأ بعض أنصار الحزب بطرح تساؤلات حول قدرة القيادة الجديدة على تحقيق التوازن بين “المقاومة” والتنمية.
أما على المستوى الوطني، فإن القوى السياسية الأخرى تنظر إلى الحدث بحذر. فبينما ترى بعض الأطراف أن الفرصة سانحة لإعادة التوازن السياسي، تخشى أطراف أخرى من أن يؤدي الفراغ القيادي إلى تصعيد غير محسوب، سواء داخليًا أو عبر صدام جديد مع إسرائيل.
إيران وحزب الله: حليف أم عبء؟
لطالما كان حزب الله الذراع الأقوى لإيران في المنطقة، لكن طهران اليوم ليست كما كانت قبل عقد من الزمن. مع تصاعد الأزمات الداخلية في إيران، والتغييرات الجيوسياسية التي أضعفت النفوذ الإيراني في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، بات دعم حزب الله أقل أولوية أمام المصالح الإيرانية الأكبر، سواء في الاتفاقات الإقليمية أو في محاولات طهران تفادي صدامات مباشرة مع الغرب.
وهنا يطرح السؤال الجوهري: هل تخلّت إيران عن الحزب حين اقتضت مصالحها ذلك؟ يبدو أن الجواب أصبح واضحًا. فإيران، التي تخلت عن العديد من حلفائها عند أول منعطف، لن تكون مستعدة لخوض حرب من أجل بقاء حزب الله، خصوصًا مع إدراكها أن لبنان لم يعد ورقة استراتيجية رابحة كما كان سابقًا.
السلاح: هل لا يزال بيد الحزب أم أنه مجرد أداة تفاوض؟
يتباهى حزب الله بترسانته العسكرية، لكن السؤال الأهم: لماذا لم يستخدمها في معركته الأخيرة؟ ولماذا لم يسلم سلاحه للدولة إذا كان فعلاً يسعى إلى دور سياسي طبيعي؟
واقع الحال يقول أن سلاح حزب الله لم يعد ورقة مواجهة، بل أداة نفوذ داخلية، يستخدمها لترهيب الخصوم وفرض شروطه في أي تسوية سياسية. غير أن هذه الورقة تفقد بريقها مع الوقت، فالشعب اللبناني بدأ يتساءل عن جدوى استمرار التسلح في ظل انهيار الاقتصاد وانعدام الاستقرار.
فرض النفوذ من جديد: هل ما زالت لدى الحزب أوراق رابحة؟
في ظل انحسار الدعم الإيراني، وغياب نصر الله، وانكشاف هشاشة الحزب أمنيًا وسياسيًا، ما الذي يمكن أن يعتمد عليه حزب الله لاستعادة موقعه؟
- التهديد الأمني: قد يحاول الحزب إعادة توجيه الأنظار إلى خطر إسرائيل، لكن هذه الورقة أصبحت مكشوفة، خاصة أن أي التصعيد لم يعد أبداً في صالحه.
- التحالفات الداخلية: سيحاول الحزب الحفاظ على حلفائه التقليديين، لكنه بات يدرك أن بعضهم بدأ يفكر في إعادة حساباته.
- التماسك الطائفي: رغم انحسار التأييد المطلق، لا يزال الحزب يعتمد على تعبئة جمهوره، لكنه يواجه صعوبة في إقناع بيئته بأن السلاح هو الحل لمشاكل الفقر والفساد وانهيار الدولة.
المساعدات والإعمار: وعود فارغة أم واقع ممكن؟
رغم الحديث المتزايد عن خطط إعادة الإعمار، يبقى الواقع مختلفًا تمامًا. فالمساعدات الدولية، التي يعوّل عليها لبنان للنهوض مجددًا، تصطدم بعائق أساسي: ألا وهو حزب الله نفسه! الدول الغربية والخليجية تشترط فك ارتباط الدولة بالحزب قبل تقديم أي دعم حقيقي، وهو ما يضع الحكومة اللبنانية في مأزق بين حاجتها الملحّة للأموال وبين نفوذ الحزب السياسي والعسكري.
في المقابل، تروج إيران لإمكانية تمويل مشاريع إعمارية، لكن التجربة أثبتت أن الدعم الإيراني يذهب في معظمه لتعزيز قدرات الحزب العسكرية… بدل الاستثمار في بنية لبنان التحتية. حتى بيئة حزب الله الحاضنة لم تعد مقتنعة بأن إيران ستنقذها من الأزمة! بعدما رأت كيف تُركت لمصيرها في ظل الانهيار الاقتصادي، بينما القيادات الحزبية تكدس الثروات في مناطق نفوذها.
أما حركة أمل، التي تتشارك مع حزب الله في السيطرة على القرار الشيعي، فتسير على خط رفيع بين الحفاظ على تحالفها مع الحزب… ومحاولة الإبقاء على قنوات تواصل مع الجهات الدولية الداعمة للبنان. فهل ستواصل السير في ظل حزب بدأ يخسر شرعيته الشعبية، أم أنها ستجد نفسها مضطرة إلى إعادة التموضع لحماية نفوذها؟
لذا وفي ظل هذا المشهد، يبقى لبنان عالقًا بين معادلة مستحيلة: لا مساعدات دون فك الارتباط بحزب الله. ولا قدرة للحزب على تأمين بدائل حقيقية لإعادة الإعمار. ما يجعله عالقًا بين خطاب المقاومة والواقع الاقتصادي الذي يفرض نفسه بقوة، ويفضح هشاشة تحالفاته ومحدودية خياراته.
هل انتهت اللعبة؟
قد لا يكون حزب الله على وشك الانهيار الفوري، لكنه بالتأكيد لم يعد بنفس القوة والنفوذ. غياب نصر الله، ارتباك القيادة الجديدة، تراجع الدعم الإيراني، وانهيار الوضع الاقتصادي في لبنان… جميعها عوامل تضع الحزب أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التأقلم مع واقع جديد يتطلب منه تقديم تنازلات جوهرية! أو الانزلاق نحو صدام داخلي أو إقليمي ستكون نتائجه كارثية عليه وعلى لبنان!
في النهاية، الأيام القادمة وحدها ستكشف… هل سيحاول حزب الله التمسك بوهم القوة، أم أنه سيضطر لمواجهة الحقيقة القاسية بأن زمن الهيمنة المطلقة قد ولى؟



