
د. ضياء عزام؛ نواف سلام أمام تحدي مجلس الشيوخ؛ مجلس الشيوخ في لبنان: هل يجرؤ نواف سلام على كسر حلقة المماطلة؟
عام 1989، جاء اتفاق الطائف ليضع حدًا للحرب الأهلية اللبنانية… حاملاً في طياته إصلاحات دستورية تهدف إلى تعزيز الوحدة الوطنية وإلغاء الطائفية السياسية. من بين هذه الإصلاحات، نصت المادة 22 من الدستور اللبناني على إنشاء مجلس نواب منتخب على أساس وطني غير طائفي؛ إلى جانب مجلس شيوخ يُمثَّل فيه جميع العائلات الروحية، وتُناط به صلاحيات في القضايا المصيرية.
ووفقًا للأعراف السياسية اللبنانية، كانت رئاسة مجلس الشيوخ ستكون من نصيب طائفة الموحدين الدروز. مما يضمن مشاركة فعالة لهذه الطائفة التي شهدت تراجعًا في حجم تمثيلها السياسي بعد الطائف.
وفي هذا السياق، فقد شدد زعيم الدروز وليد جنبلاط مرارًا على أهمية إنشاء المجلس لضمان دور الموحدين الدروز في البنية السياسية اللبنانية. معتبرًا إياه وسيلة للحفاظ على التوازن في الحكم.
من جهة أخرى، دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى تطبيق كامل بنود اتفاق الطائف، بما في ذلك إنشاء مجلس الشيوخ. مؤكدًا على ضرورة الالتزام بالوثيقة كخارطة طريق لتحقيق الاستقرار والإصلاح السياسي.
رؤية نواف سلام حول مجلس الشيوخ
في كتابه “لبنان بين الأمس والغد”، الذي جُمعت فيه مقالات ودراسات كتبها على مدى أكثر من ربع قرن… تناول القاضي ورئيس الحكومة الحالي نواف سلام رؤيته للإصلاح السياسي والدستوري في لبنان. وعلى الرغم من أن الكتاب نُشر عام 2021، إلا أن بعض المقالات تعود إلى فترات سابقة.
أشار سلام في هذه الكتابات إلى أهمية إنشاء مجلس الشيوخ كخطوة نحو إلغاء الطائفية السياسية وتعزيز المواطنة. ورأى أن هذا المجلس يمكن أن يكون منصة لمناقشة القضايا المصيرية بعيدًا عن التجاذبات الطائفية… مما يسهم في بناء دولة مدنية حديثة.
وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاثة عقود على اتفاق الطائف، إلا أن بند إنشاء مجلس الشيوخ لم يُنفَّذ حتى الآن، وذلك لأسباب متعدّدة:
- أولاً، تعيق الخلافات السياسية والطائفية تنفيذ المجلس، حيث لم يتم التوصل إلى توافق واضح حول آلية تشكيله وصلاحياته! مع وجود مخاوف من تأثيره على دور مجلس النواب.
- ثانيًا، يشكل توزيع الصلاحيات تحديًا بارزًا، إذ لم يُحسم بعد ما إذا كان المجلس سيتمتع بسلطة تشريعية فعلية أم سيكون له دور استشاري فقط.
- ثالثًا، يتطلب إنشاء هذا المجلس إلغاء الطائفية السياسية في مجلس النواب، وهو ما لم يتحقق حتى الآن بسبب التجاذبات السياسية المستمرة.
- وأخيرًا، يفتقر الوضع الحالي إلى الضغط الشعبي والنيابي القوي الذي قد يدفع لتحقيق هذا البند، رغم أهميته في تحقيق التوازن السياسي المنشود.
الجهات المعنية بتنفيذ انشاء المجلس
يتطلب استحداث مجلس الشيوخ تنسيقًا من جهات متعددة تشمل رئيس الجمهورية، بصفته الحامي للدستور والمسؤول عن الإصلاحات الدستورية. إضافة إلى رئيس مجلس النواب لدوره في التشريع وطرح مشاريع القوانين. كما يلعب رئيس الحكومة والكتل النيابية الكبرى دورًا حيويًا في إدراج الموضوع في جدول الأعمال الحكومي.
كما لا ننسى الدور المحوري للمجتمع المدني والإعلام في حشد الرأي العام والضغط على القوى السياسية لتحقيق هذا الهدف.
رغم الفوائد الكثيرة لانشاء مجلس الشيوخ، من حيث انه يوفر حماية للتنوع الطائفي بتمثيل كافة العائلات الروحية… مما يسهم في تعزيز الاستقرار الاجتماعي. كما يعزز من دور طائفة الموحدين الدروز بمنحها موقعًا سياسيًا أساسيًا خاصة ان الطائفية السياسية أدت إلى تهميش تدريجي لدورهم؛ خصوصًا بعد تقليص عدد الوزراء والنواب الدروز! اضافة الى إتاحة المجلس مناقشة القضايا المصيرية بعيدًا عن التجاذبات السياسية اليومية… والعمل على تقليل الاحتقان الطائفي والسياسي عبر ضمان تمثيل متوازن داخل السلطة التشريعية.
الا ان عملية إنشاء مجلس الشيوخ تنطوي ايضا على بعض المخاطر، من بينها تعقيد العملية السياسية إذا لم تُحدد صلاحيات المجلس بوضوح، مما قد يؤدي إلى بطء في التشريع.
كما يمكن أن يكون هناك ثمة مخاطر في استخدام المجلس كأداة تعطيل بدلًا من تسهيل اتخاذ القرارات المهمة. بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر من أن يصبح المجلس شكلي إذا لم يُمنح صلاحيات حقيقية… مما قد يؤثر سلبًا على فعاليته.
في الختام، وبينما أكدت الحكومات المتعاقبة التزامها بتطبيق اتفاق الطائف… الا ان هذا البند بقي مغيبًا عن الأجندة السياسية، مما يثير التساؤلات حول جدية الإصلاحات الدستورية. ومدى استعداد القوى السياسية لتفعيلها.
أما اليوم، ومع تولي القاضي نواف سلام رئاسة الحكومة… وهو الذي تحدث سابقًا عن أهمية إنشاء مجلس الشيوخ كجزء من الإصلاحات الضرورية. تتجه الأنظار إلى ما إذا كان سيترجم مواقفه السابقة إلى خطوات تنفيذية.
فهل سيسعى رئيس الحكومة الحالي إلى طرح هذا الملف بجدية والعمل على إقراره؟ أم سيتكرر سيناريو تجاهل مجلس الشيوخ كما فعلت الحكومات السابقة؟



