
ابراهيم عفيفي؛ محمد الضيف يبكي الملايين: رجل الظل شهيدا بعد عقود من مطاردة الاحتلال له
رجــل الــظــل شــهـــيـــداً
“نعلن لأبناء شعبنا وأمّتنا استشهاد القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسّام محمد الضيف”. بهذه الكلمات أبكى أبو عبيدة، الناطق العسكري للقسّام، الشعب الفلسطيني بأكمله، وملايين العرب والمسلمين على هذا الفقد العظيم. محمد الضيف هو صاحب الاسم الذي كان ولا يزال يرعب المستوطنين الإسرائيليين. فما الذي كان يمثله محمد الضيف من أمانٍ وقوة لأهله وشعبه، ورعبٍ وقلق للمستوطنين الإسرائيليين؟
صــاحــب الــظــل الــمــخــيــف
استلم محمد الضيف قيادة أركان القسّام في عام 2002، وذلك بعد استشهاد القائد الأول للقسّام صلاح شحادة. والأمر المثير للاحتلال في حينه، أنّ محمد الضيف ليس بصاحب شكلٍ معروف، وآخر صورة التُقطت له قديمةٌ جداً، لذلك ظلّ يشكّل هاجسًا كبيرًا لقادة الاحتلال ومستوطنيه، بسبب الهالة الضبابية التي تدور حوله. واستخدم الإعلام العسكري لكتائب القسّام هذا الأمر خيرَ استخدام، فمنذ ظهوره الأول عام 2005 بعد تحرير غزة، وصولاً الى إعلان بدء معركة طوفان الأقصى، وهو لا يظهر إلا بظله. وقد اقترن لفظ “الظل” في الداخل المحتلّ بهذا الرجل، وعرفه القاصي والداني في إسرائيل.
مجرد ذكر اسم محمد الضيف أمام الإسرائيليين مع سؤالهم عمّا يخطر ببالهم لدى سماعهم هذا الاسم، يكفي لنشر الرعب بينهم لمدّة عقود، وتأتي إجابات مختلفة تصبّ جميعها في الخانة ذاتها، سقوط الصواريخ، كتائب القسّام، اقتحام الحدود، 7 أكتوبر، والكثير من الكلمات والجمل المماثلة.
قــلــيــل الــحــديــث كــثــيــر الافــعــال
لا تُطلق رصاصة في فلسطين إلا ولمحمد الضيف فضلٌ في إطلاقها. جملة كهذه يقولها الفلسطينيون، وأهل غزة خصوصاً، توضح مدى أهمية محمد الضيف في العمل المقاوم وكيف كان العلامة الفارقة في تاريخ فلسطين. أكثر من 23 سنة من قيادته للقسّام، إلا أنّه كان قليل الظهور بشكل كبير، فمجموع خطاباته من 2005 وصولاً إلى الطوفان لا تتعدى، بل ربما لا تصل الى 30 دقيقة حتى، فهو رجل كانت لغته صوت الرصاص وهدير الصواريخ. كان يرى أنّه لا فائدة من كثرة الكلام خاصةً فيما يتعلق بالخطط المستقبلية، ولذلك عدة أسباب، بالتأكيد أبرزها إدخال الاحتلال في دوامات من التفكير لا مخرج منها بخصوص مصير غزة، وإن كانت تشكّل جبهة تهديد حقيقي أم لا، وغيرها. ولكن مع صباح السابع من أكتوبر، أظهرت غزة بقيادة ضيفها الصامت أن مشروع تحرير فلسطين لا يبدأ إلا من هذه البقعة الصغيرة التي لا تتجاوز مساحتها 1% من مساحة فلسطين.
صــاحــب الأرواح الــعــشــر
أطلق الإسرائيلييون على الضيف لقب “صــاحــب الأرواح الــعــشــر”. يعتبر ذلك بسبب المعجزات التي حصلت بنجاته من أكثر من عشر محاولات اغتيال منذ عام 2000. إنَّ الطرق التي نجى بها محمد الضيف من محاولات الاغتيال هذه مثيرةٌ للدهشة بشكل لا يمكن للصديق تصوّره قبل العدو. فعلى الرغم من إصابته عدة مرات بإصابات بليغة… إلا أنّه، بعكس ما يزعم الإسرائيليون بأنه رجل لا يمشي ومبتور اليدين ولديه عين واحدة. فقد ظهر بكل قوته وهمّته واقفاً على قدميه يُعدُّ خطة العبور الى الغلاف في السابع من أكتوبر. وهذا الأمر يوضح مدى إصراره وإيمانه الراسخ بقضيته الحقّة.
الــضــيــف حــي الــضــيــف لــم يــمــت
الضيف حي. نعم، فها نحن نرى الآلاف من الضيف في مشاهد تسليم الأسرى. المشاهد ذاتها التي جعلت المتطرفين الإسرائيليين، وعلى رأسهم بن غفير وسموتريتش، يخرجون بتصاريح لا تخرج من طفلٍ بسبب الغيظ والقهر. نرى في هذه المشاهد ضيف صغير ذا أملٍ مشرقٍ. وضيف آخر يحمل سلاحه ليحمي شعبه، حتى أصبح أهل غزة كلهم محمد الضيف. ونقول أن حفر جبل بإبرةٍ أسهل من هزيمة جيلٍ صاعدٍ شاهد جُلَّ قادته يستشهدون أمام عينه في الخطوط المتقدمة للدفاع عنه وعن أرضه. وسيحمل هذا الجيل راية الضيف حتى ترفع في آخر نقطة من فلسطين المحتلة.



