خاصمقالات

اللون الأسود!

اللون الأسود!

كتب محمد غزاوي 

الّلون الأسود، دائماً ما كان لوناً غامضاً، ولطالما ما كان مربوطاً بحزن، بؤس، أو حِداد، منذ عقود والعالم بأجمعه يربط هذا اللون بكثيرٍ من الحالات والحوادث التي تُعتبر مؤسفة. ولكن ماذا لو سألنا أنفُسنا، لماذا هذا الّلون الكئيب المكروه يُشعِر بعضنا بالأمان؟ لماذا بعض المخلوقات السّوداء التي خلقها الله لتعيش وتجري في الأرض نعتبِرها شؤمٌ وحظٌ سيئ فقط لسواد لونها؟

كما نعلم بالعادات التي ترعرعنا عليها، فإنّ القطط السّوداء في كثير من البُلدان والحضارات تُعتبر شرّ وتعاسة محتومة قادمة لمالكها أو صاحبها، ولكن يا تُرى هل سألتم أنفسكم لماذا؟ فالسبب بكلّ بساطة، هو أنّ هذه السُّمعة السّيئة للقطط السّوداء كان سببها البشر بذاتهم. نعم، فإنّ أصحاب القطط السّوداء كانو يصادفون أن يكونو مشعوذين وسَحرة، فأتت السُّمعة على القطط بأنهم متعاونون بالشّر الذي يصنعه أصحابهم، وهم في الحقيقة مجرّد… قطط بالّلون الأسود.

لماذا لا نتكلّم أيضاً عن الخفافيش؟ فهي معروفةٌ في عدّة حضارات بأنها أيضاً رمزٌ للشرّ، والسِّحر، والأرواح الشرّيرة، ومصّاصي الدّماء الّذين هم بالأصل أُسطورة خياليّة، لماذا نحكُم على حيوان لا يخرُج إلّا بظلامِ اللّيل ويشرب دم الحيوانات لكي يعيش؟ ألم يخلقه الله ليكون هكذا؟ وما بال البشر إلّا بالحكم السّريع ولوم كلّ مخلوقات الأرض بالشرور لعدم لوم أنفُسِهم.

ماذا عن الّلباس الأسود؟ لماذا نلومُ النّاس للِباسِهم الأسود ونحكُم عليهم بالإكتئاب والحِداد والذّهاب إلى الجنازات؟ لماذا لا نقول إنّ لبس الأسود في الجنازة هو فرحاً برجوع الرّوح إلى خالقها ومسكنها الأصليّ الأبدي؟ أنا أوّل الأشخاص الّذين يتّفقون مع هذا الشّعور، وأتكلّم عن تجرُبة وليس نقلاً للخبر. اللّون الأسود لطالما كان يُشعرني بالأمان عندما أرتديه، أمانٌ لا أشعره بارتداء أي لونٍ آخر، فلنتخيّل جندي في أرض المعركة ولكن بلا ذخيرة، ماذا يشعُر؟ هذا نفس شعوري لعدم لبس الأسود، ولطالما كان الأسودُ لوناً جميلاً في أعيُني وأعيُن الآخرين الّلذين قد يوافقوني الرأي وطريقة العيش.

في الخِتام أيّها الأعزّة، دعونا أن نتعلّم عدم الحُكم السّريع على الإنسان والحيوان، دعونا نفهم بعضنا البعض، ونفهم المخلوفات التي حولِنا، ونسأل لماذا هذا المخلوق يعيشُ هكذا؟ هل هو حقّاً شرّير؟ أم حزين؟ أم ببساطة هذه هي شخصيّته، وهكذا يعيش ويشعُر بالإرتياح؟ العالم في وقتنا هذا يحتاج أن يرى القطرة الإيجابيّة في البحر السّلبي، دعونا حقّاً نراها، ونفهمها، ونتعايش معها بسلام، كالسّلام الذي نشعُر به في غرفتنا السّوداء بعيداً عن ضجيج النّور الذي أتعبنا طيلة النّهار، دعونا نستمع إلى صمت الظّلام، ونتنفّس بعمق، ونستريح في وقتٍ ما.

وكم من حزينٍ، إحتضنتهُ الظُّلمات، عندما عجِز عن العثور على الأمان والحبّ في وسط ضوضاء الأنوار.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com