
كتبت ملاك يحي لموقع بكفّيكم
استطاعت إي-را-ن أن تصنع لنفسها دوراً إقليمياً نشطاً، جعل منها محطّ إهتمام الكثيرين. فلا يقتصر دورها على السياسة فحسب، بل تعدى ذلك ليشمل أبعاداً دينية وثقافية، وأهمها الأبعاد الإستراتيجية والجيوسياسية. لذلك يُعَد دور إي-را-ن في الشرق الأوسط، نتاجاً طبيعياً لسياستها الخارجية الغامضة والصعبة، بحسب بعض المراقبين..
إن مصالح إي-را-ن الحيوية هي الجوهر الأساسي لسياستها الخارجية ورؤيتها للعلاقات الدولية، كما أن السياسة الخارجية لإي-را-ن أهدافها لا تتأثر بالصراع القائم بين الإصلاحيين المحافظين، إنما يؤثر ذلك على إستراتيجيات تحقيق تلك السياسة، لأن موضوع المصالح الداخلية الإي-را-نية كان ولا يزال محل توافق وطني. قد لا يكون الدور الذي تلعبه إي-را-ن في الشرق الأوسط والمنطقة نتيجة لسياستها، بل هنالك عوامل أخرى عديدة ساهمت في بلورة هذا الدور وتصعيده. لهذا السبب نرى أن إي-را-ن لم تنحرف عن سياستها وأهدافها طوال سنوات الحرب الباردة وقبل أن تستولي ثورة الخُم-يني على السلطة.
لقد ساهم الدور الذي لعبته إي-را-ن في عهد الشاه، والتقارب الإي-را-ني الأمريكي آنذاك، بتسهيل تحقيق نفوذ ملموس لإي-را-ن. وهي التي لم تخفي حتى الآن رغبتها في الهيمنة على الشرق الأوسط، هادفةً إلى أن تصبح القوة الإقليمية الكبرى في المنطقة. فإي-را-ن اليوم تواجه معضلة حقيقية تتمثل بافتقارها للقوة العسكري الكافية لتحقيق أهداف سياستها الخارجية.
لا يخفى على أحد أن إي-را-ن إتّبعت سياسة نشطة تجسدت في التدخل المباشر وغير المباشر، ومن خلال الدعم العسكري والمادي. وبالفعل دعمت إي-را-ن العديد من الميليشيات في المنطقة من أجل تسهيل توغلها وبناء موطئ قدم لها في الشرق الأوسط. في لبنان دعمت إي-را-ن ميليشيا حز-ب الله، واليوم نرى بوضوح مدى تأثير هذا التدخل من خلال الغزو التجاري الإي-را-ني للسوق اللبنانية. كما برز تدخلها في سوريا من خلال دعم نظام الأس-د منذ بدء الحرب الأهلية عام ٢٠١١. وها هي اليوم تسعى لتحويل سوريا إلى دولة ذات أغلبية شيع-ية من خلال التغيير الديموغرافي التي لجأت إليه، إما عبر تهجير الأغلبية السُنيّة من سوريا، وإما عن طريق نشر التش-يُّع في البلاد كما يحصل في درعا السورية.
في العراق سعت إي-را-ن إلى إحكام سيطرتها من خلال النفوذ الديني الكبير، ومن خلال دعم الجماعات الغير حكومية. كما دعمت ميليشيا الحو-ثي في اليمن، ودعمت جهودهم ضد المملكة العربية السعودية.
لقد شكلت الثورة الإي-را-نية نقطة تحول محورية في السياسة الداخلية والخارجية لإي-ر-ان، وأخذت موقفاً معادياً لكل من أمريكا وإسرائيل، وبدأت رحلة العداء للغرب بشكل عام. أما فيما خصّ الدول العربية فقد عرفت هذه العلاقة توتراً شديداً. وجائت الحربين السورية واليمنية لتؤكدا ذلك، بحيث رفضت الدول العربية التدخلات الإي-ران-ية في الشؤون الداخلية العربية. إذاً إي-را-ن تخوض بالفعل معركة وجودية، فهي اليوم تعادي حتى حلفائها إذا تقاطعت المصالح، والدليل الأكبر برز في الحرب السوريا، فعلى سبيل المثال إي-را-ن لا تسمح لروسيا ببسط سيطرتها على الأماكن التي تم رفع العلم الإي-را-ني فيها، أو حتى على الأماكن التي توِّجت ببصمة إي-ران-ية.
وفي الحديث عن العلاقات السعودية الإي-ران-ية، فقد اتسمت العلاقة بين البلدين بالتوتر المستمر طوال تاريخهما الدبلوماسي. وهناك العديد من النقاط التي أجّجَت الخلافات بين البلدين، ومنها: قيادة العالم الإسلامي، شي-عة السعودية وسُنّة إيرا-ن، حادثة الحج عام١٩٨٧ ، والتدخلات في الدول الأخرى… إلخ.
فيما خص قيادة العالم الإسلامي، سعت إي-را-ن بنظامها الحالي إلى زعزعة الأمن في الشرق الأوسط بهدف قلب المزاج العربي، وتتويج نفسها ك “أُم القرى” بهدف قيادة العالم الإسلامي. إي-را-ن لا ترى نفسها إحدى الدول الإسلامية فحسب، إنما ترى نفسها دار الإسلام. وبالتالي أي هزيمة أو إنتصار لإي-را-ن هو هزيمة وانتصار للإسلام، وبذلك تعتبر نفسها الأوْلَى والأجدر لقيادة العالم الإسلامي. ولهذا السبب تسعى لبسط سيطرتها خارج نطاق حدودها الجغرافية. وهنا اصطدمت إي-را-ن مع السعودية التي تصارع باستمرار في سبيل الزعامة الإسلامية. ولن ترضى بأن تتربع إي-را-ن الدولة الشيع-ية على عرش الزعامة الإسلامية، بما أن المسلمين في العالم يشكلون حوالي ٨٥٪ من السُنّة و ١٥٪ من الشي-عة، وبهذا فإن الأكثرية السُنّية سترفض حتماً حكم الأقلية الشيع-يّة، وهنا برز جوهر الخلاف بين البلدين.
فيما يخص شي-عة السعودية وسُنّة إي-را-ن، فإن البلدين يوجِّهان التُهم لبعضهما بحجة تعرض الأقليات من الطائفتين للظلم في كُل من البلدين. وقد تحدّثت مجلة أتلانتيك عن معاناة المسلمين السنة في إي-را-ن من التمييز. وفي تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، تم تسليط الضوء على مئات السجناء السُنّة في إي-را-ن. وبحسب المجلة، تعاني الأقلية السُنيّة، المقدّرة بمليون إي-را-ني في طه-ران، من غياب المساجد السُنيّة في العاصمة الإي-را-نية ، بالإضافة إلى حظر التعاليم السُنيّة في المدارس الحكومية، وعدم السماح ببناء مساجد أو مدارس سُنيّة. في حين تتهم إي-را-ن السعودية بقتل وسجن الأقليات الشي-عية في السعودية، وما أشعل فتيل النار سوى قيام السعودية بإعدام الشيخ نمر الن-مر عام ٢٠١٦ ، بتهمة الإرها-ب، وهو ، “أي الشيخ نمر الن-مر” لم يوفِّر منبراً إلّا وتعرض به لرموز الطائفة السُنيّة.
وإذا توجهنا أبعد، فإن حادثة الحج عام ١٩٨٧ كانت بمثابة شرخ كبير بمجرى العلاقات بين البلدين، ففي العام أعلاه توفيالعديد من الحجاج الإي-ران-يين إثر مظاهرات الوفد الإي-را-ني التي ندّدت بدعم السعودية خلال تلك الفترة للعراق، وفي حين أصدرت إي-را-ن تقارير رسمية تتَّهم الشرطة السعودية بقتل الحجّاج، إلّا أن السعودية نفت الأمر مصرحة بأنه لم يتم إطلاق رصاصة واحدة، وأن مقتل الحجّاج الإي-را-ني-ين نتج عن “التدافع”. وأدى الحادث إلى اندلاع مظاهرات في العاصمة الإي-ران-ية طه-ران، تعرضت خلالها السفارة السعودية لهجوم أدى إلى مقتل دبلوماسي سعودي.
وآخر ما يمكن التطرق عليه في هذا الصدد، هو التدخلات الإي-را-نية في الدول العربية والتي أتَيت على ذكرها سابقاً في المقال، وهذه التدخلات وسّعت دائرة الجفاء السياسي بين البلدين، بحيث رفضت السعودية رفضاً تامّاً للتدخلات الإي-را-نية في الشؤون الداخلية للدول العربية. في حين أن إي-را-ن صرفت أموالاً طائلة على الدول العربية، ليس من أجل إنماء هذه الدول إقتصادياً، إنما من أجل تسليح ودعم ميليشيات موالية.
وكأن شيئاً لم يكن، وكأن دماء الشعوب العربية ليست ثمينة، وكأن الأطماع والأحلام الإي-را-نية قد زالت وأصبحت في مهب الريح، ها هي طائرة السعودية وجهاً لوجه مع الطائرة الإي-را-نية في مطار الصين. وفي رعايةٍ صينية ومشاهدة أمريكية تصدّرت “المخاشمة”، الإي-را-نية السعودية الشاشات، بحيث قبَّل كُل منهُما خشم الآخر معلنين الإتفاق على استئناف العلاقات بينهما. وإعادة فتح أبواب سفارتيهما “لتعزيلها” بعد طول هجر، جراء تسلُّل بيوت العنكبوت إليهما.
ومن مقررات البيان السعودي الإي-را-ني:
-إحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.
-تفعيل إتفاقية التعاون الأمني الموقع بينهما منذ سنة ٢٠٠١.
-إستئناف العلاقات الدبلوماسية بين طه-ران والرياض وإعادة فتح سفارتيهما خلال مدة أقصاها شهرين.
-ترتيب تبادل السفراء.
-تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون في مجال الإقتصاد والتجارة والإستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة في ١٩٩٨.
-حرص الطرفين ومعهما الصين على بذل كافة الجهود لتعزيز “السلم والأمن الإقليمي والدولي”.
وهنا أود أن أفتح آفاق جديدة بسؤالين، أولهما، هل وقَعَت السعودية في الشباك الإي-را-نية، أم أن الله هدى إي-را-ن؟
“وهل نرى “حس-ن نص-ر الله يؤدي مناسك الحج في السعودية وهو الذي لم يوفّر خطاباً إلّا وهاجم فيه السعودية، كما وأكد قبل أيام من الإتفاق “أنّ من ينتظر تسوية إي-ران-ية سعودية سينتظر طويلاً” .. يبدوا أنَّ الو-لي الفق-يه نسي أن يخبر جنوده عن الإتفاق السعودي الإي-را-ني الجديد.



