
خاص بِكَفّيكم: استقلال من فرنسا، واحتلال من إيران
استقلال من فرنسا، واحتلال من إيران
كتب فراس القاضي؛ استقلال من فرنسا، واحتلال من إيران – ما أغربك بلاد! يحتفل اللبنانيون اليوم بعيد استقلال لبنانهم من الانتداب الفرنسي. الا ان الحقيقة مختلفة، هذا الاحتفال ليس سوى شعار نهرب فيه من الواقع الذي يبدو فيه لبنان اليوم أسيرًا لنفوذٍ خارجي.
فرنسا غادرت لبنان ليحصل على استقلاله رسميًّا، لكن الانتقال من وصاية أجنبية الى وصاية أخرى تجعل من مفهوم الاستقلال موضع شك… وتغير الموازين في هذا اليوم، ليجعلنا نحتفل باستقلال وهمي.
هل يكفي أن نستذكر الماضي دون مواجهة الواقع الحاضر؟ وهل يمكن للبنان أن يستعيد استقلاله الحقيقي ليعود وطنًا لجميع أبنائه؟
انتهاكات لسيادة لبنان
تعاني سيادة لبنان، التي من المفترض أن تكون ركيزة الاستقلال الوطني، من انتهاكات متزايدة تجعلها عنوانًا فقط، اذ لا تتم ترجمته على الأرض.
خلال تاريخ الجمهورية اللبنانية منذ التأسيس وحتى التعامل مع الحروب والصراعات الإقليمية، وجد لبنان نفسه تحت الضغوط المفروضة للأطراف الأجنبية المتصارعة. فالنفوذ الأجنبي، السلاح خارج الدولة، السطوة الاقتصادية على الدولة او التبعية الاقتصادية. والتدخل المستمر في شؤون لبنان شكل تلاشياً في سيادته.
لبنان بين الاستقلال المعلن والاستقلال المفقود!
اضطرت حكومة فرنسا في 22 تشرين الثاني عام 1943 الى الاعتراف باستقلال لبنان التام بعد صمود اللبنانين حكومة وشعبًا ليصبح هذا اليوم “يوم الاستقلال”. لكن مطامع الدول الخارجية بلبنان ومصالحها لم تغب يومًا، لتبحث عن فرصة لها باحتلال لبنان.
صحيح أن الشعب اللبناني توحد من أجل الحصول على استقلال لبنان الا أن بعضا من اللبنانيين فضلوا مصالحهم الشخصية وباعوا لبنان مقابل ماديات عُرضت ومناصب اشتُرطت عليهم، وسمحوا لدول خارجية التحكم بالشؤون اللبنانية وجعلوا لبنان “طاولة زهر” تلعب فيه الدول متى شاءت، وتعرض تحدياتها على أرضه تحت ما يسمى الدفاع عنه، وبهذا بِيعَ الاستقلال وسُمح بالتدخلات الأجنبية علنًا ليفتقر بذلك إلى مقومات السيادة الفعلية والقرار الحر.
من الوصايةِ السورية الى الاحتلال الإيراني
شهد لبنان وصاية سورية عام 1976 بحيث دخل 12 الف جنديًا سوريا الأراضي اللبنانية بطلب من رئيس الجمهورية آنذاك – سليمان فرنجية. حيث تصرف السوريون وكأن لبنان “بيت بيّن”. وفي هذه الفترة وتحديدًا عام 1982 بدأت إيران بتنفيذ ما كانت تطمح اليه من خلال دعمها لتأسيس حزب الله. وبدأ الحزب تحقيق مشروعه الذي صرح عنه الأمين العام السابق حسن نصرالله قائلا: “مشروعنا الذي لا خيار لنا ان نتبنى غيره كوننا مؤمنين عقائديين، هو مشروع دولة إسلامية، وحكم الإسلام وان يكون لبنان ليس جمهورية إسلامية واحدة وإنما جزء من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه”، ليصبحَ لبنانُ كرةً في ملعب إيران على الأراضي اللبنانية.
انسحب الجيش السوري من لبنان عام 2005 وذلك بعد تضامن اللبنانيين من أجل إنهاء الوصاية الأمنية السورية… لتوسع إيران نفوذها أكثر وتصبح صاحبة الكلمة في القرار اللبناني.
فقرار السلم والحرب، اعتادت إيران ان تتخذه في لبنان، تنفذ صراعاتها مع إسرائيل وتجر البلد إلى حرب “وعلى كيفها” دون احترام الحكومة اللبنانية التي لطالما كانت ترضخ لقراراتها دائمًا. وهذا ما شهدناه بما أسمَوه “جبهة المساندة”، وتصرّف إيران تجاه أذرعها في لبنان.
إيران غسلت دماغ من ينتمون إليها، ليفضلوها على مصلحة بلدهم الذي نسَوه أصلًا. فالعلم الإيراني أصبح يُرفع بدلًا من الراية اللبنانية. وحين يعترض اي لبناني على قراراتهم، يفتعلون حربًا داخلية ضد الشعب اللبناني من أجل إبقاء مصلحة إيران في القمة.
الشعب اللبناني بين التخوين والتحريض
هذا غير التهديد بالسلاح الإيراني وحملات التخوين والتحريض والتهديد التي يقوم بها الذباب الالكتروني علنًا ضد من يطالب بالاستقلال الحقيقي ويخالفهم الرأي. وبعد ان خذلتهم إيران وضعفوا، لم يكن لديهم خيار الا اللجوء الى الشعب اللبناني. وبدأنا نسمع منهم انهم ينتمون الى لبنان بعد ان كانت إيران هي انتماءهم الأسمى.
تمادت إيران كثيرًا بعدما رأت جمهورها في لبنان يرضخ لكل قرارتها ليتجرأ رئيس مجلس الشورى الإيراني محمد باقر قاليباف في مقابلة حصرية له مع الصحيفة الفرنسية لوفيغارو ان يصرح بالقول إن “ايران مستعدة للتفاوض مع فرنسا لوقف إطلاق النار في لبنان”. ولاقى هذا التصريح غضبًا من الحكومة اللبنانية التي استفاقت لسيادة لبنان وتذكرت ان لبنان دولة مستقلة ويوم استقلالها 22 تشرين الثاني 1943.
انتهاكات ما بعدها انتهاكات قامت بها ايران لسيادة لبنان وجعلت استقلال لبنان استقلالًا وهميًّا وحبرًا على ورقٍ.
سيادة الغرب المقنعة
ليست إيران وحدها من خرق سيادة لبنان، بل شهدنا ذلك من قبل دول الغرب أيضًا. فلم ننسى المبادرة الفرنسية في العام 2020 التي قام بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون. استطاع حينها ماكرون ان يجمع القادة السياسيين الرئيسيين من أجل تشكيل حكومةٍ بمواصفات نصحت بها فرنسا لبنان.
إلى ان اشتركت خمس دول في قرار انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية، عرفت باللجنة الخماسية. وتألفت من فرنسا، قطر، مصر، المملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأمريكية.
فهل لدولة حصلت على استقلالها الرسمي بحاجة الى خمس دول ليتفاوضوا من اجل انتخاب رئيسٍ لجمهوريتِها؟
أعداء استقلال لبنان
ليس غريبًا ان يتعرض كل من يطالب باستقلال لبنان الفعلي لهجوم، ويُتهم بالعمالة والتخوين. فمن يواجه الاحتلال الإيراني في لبنان يصبح عميلًا بنظرهم. فلا بد من الإشارة الى ان عدو الاستقلال هو من يعطل بناء الدولة المؤسساتية ويفتح أبواب التدخل للانتفاع الخارجي، سواء كان من خلال التبعية المباشرة او تقويض مؤسسات الدولة من أجل أجندات فئوية وشخصية. الخائن هو من يقسم اللبنانيين ويوقد الفتن المذهبية ويهشم الشعب. أيضًا من يجعل من الوطن صفقة او ساحة معركة للأزمات الإقليمية كـ “تحرير فلسطين يمر من لبنان”.
حماية الاستقلال لا تحصل بشعارات فارغة. وانما من خلال ترسيخ سيادة القرار الوطني وبناء وطن جامع يضع المصلحة الوطنية فوق الجميع. فالاحتفال بعيد الاستقلال يكون عند استقلال لبنان الفعلي من كل التدخلات الخارجية. انتماء الشعب للبنان وحده، والمطالبة بقطع اليد التي تتحكم بلبنان بطريقة او بأخرى، وبجعل سيادة لبنان فوق اي اعتبار.



