أبرز ما جاء في المؤتمر الصحافي المشترك للرئيس عون والبابا لاون الرابع عشر

أبرز ما جاء في المؤتمر الصحافي المشترك للرئيس عون والبابا لاون الرابع عشر
كلمة رئيس الجمهورية الرئيس جوزيف عون:
قداسة البابا لاون الرابع عشر،
بفرح عظيم ، أرحب بكم رسول سلام في وطن السلام.
بشرف عظيم، و باسم الشعب اللبناني بكل مكوّناته وطوائفه وانتماءاته، أرحّب بكم في هذا الوطن الصغير بمساحته، الكبير برسالته، لبنان الذي كان وما زال أرضاً تجمع بين الإيمان والحرية، بين الاختلاف والوحدة، وبين الألم والرجاء.
صاحب القداسة،
إنّكم لا تزورون بلداً عادياً، بل أرضاً محفوفة بخطوات التاريخ المقدّس
فقد ذُكِر لبنان في الكتب المقدّسة مراراً، رمزاً للعلو والثبات والقداسة. وقد استعمل نشيد الأناشيد جبال لبنان وغاباته كرموز للجمال والروعة والنقاء، فغدت هذه الأرض شاهدة على عظمة الخلق ووفاء للتاريخ المقدّس
بفخر عظيم، أرحب بقداستكم، على أرض الكنعانية الراجية شفاء ابنتها. حتى قال لها يسوع: “يَا امْرَأَة، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ”.
وشعبنا اليوم كله يا صاحب القداسة، مثل تلك الكنعانية.
إيماننا عظيم… ورجاؤنا شفاء النفوس والقلوب والعقول، من الأحقاد والحروب والدمار …
صاحب القداسة،
إنّكم لا تزورون بلداً عادياً، بل أرضاً محفوفة بخطوات التاريخ المقدّس
فقد ذُكِر لبنان في الكتب المقدّسة مراراً، رمزاً للعلو والثبات والقداسة. وقد استعمل نشيد الأناشيد جبال لبنان وغاباته كرموز للجمال والروعة والنقاء، فغدت هذه الأرض شاهدة على عظمة الخلق ووفاء للتاريخ المقدّس
بفخر عظيم، أرحب بقداستكم، على أرض الكنعانية الراجية شفاء ابنتها. حتى قال لها يسوع: “يَا امْرَأَة، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ”.
وشعبنا اليوم كله يا صاحب القداسة، مثل تلك الكنعانية.
إيماننا عظيم… ورجاؤنا شفاء النفوس والقلوب والعقول، من الأحقاد والحروب والدمار ..
أهلاً وسهلاً بكم، على الأرض المسيّجة بالعذراء،
والمكرسة لإسمها. من أقصى الجنوب حتى أقصى الشمال.
وفي الوسط سيدة المنطرة قرب صيدا، حيث انتظرت العذراء ابنها يسوع.
حتى جعلنا يوم بشارتها، عيداً وطنياً لكل طوائف لبنان ولكل أدياننا الإبراهيمية.
في ظاهرة لم يعرفها أي بلد آخر في العالم.
أهلاً وسهلاً بكم، على الأرض، التي من بعض مائها المتدفق من حاصباني الجنوب، تعمّد يسوع في نهر الأردن …
لبنان ليس مجرد أرض تاريخية، بل موطن القديسين العظام، ومنهم القديس شربل الذي ستزورون مقامه المبارك، كرّمه الله بعطايا ومعجزات امتدت لكل البشر، دون تمييز بين الأديان، مظهراً وحدة الشعب اللبناني وإيمانه العميق
هذا هو لبنان الذي يستقبلكم اليوم يا صاحب القداسة.
لبنان الذي تكوّن بسبب الحرية ومن أجلها.
لا من أجل أي دين أو طائفة أو جماعة.
وطن الحرية لكل إنسان. والكرامة لكل إنسان.
وطن فريد في نظامه، حيث يعيشُ مسيحيون ومسلمون، مختلِفين، لكنْ متساوين.
في نظامٍ دستوري قائم على التساوي بين المسيحيين والمسلمين. وبالانفتاح على كل إنسان وضمير حر.
هذه فرادة لبنان في العالم كله. وهذه دعوته لكل الأرض.
من هنا واجبٌ الإنسانية الحية الحفاظِ على لبنان. لأنه إذا سقطَ هذا النموذجُ في الحياة الحرة المتساوية بين أبناء ديانات مختلفة، فما من مكانٍ آخرَ على الأرض، يَصلحُ لها.
وكما قلت في نيويورك، أكرر من بيروت: إذا زالَ المسيحيُ في لبنان، سقطت معادلة الوطن، وسقطت عدالتُها.
وإذا سقطَ المسلمُ في لبنان، اختلت معادلة الوطن، واختلّ اعتدالها.
وإذا تعطل لبنانُ أو تبدل، سيكونُ البديلُ حتماً، خطوطَ تماسٍ في منطقتِنا والعالم، بين شتى أنواعِ التطرّفِ والعنفِ الفكري والمادي وحتى الدموي.
هذا ما أدركه الكرسي الرسولي دوماً.
ولهذا رفع قداسة بولس السادس صوته باكراً دفاعاً عن وحدة لبنان وسيادته.
كما خلّد القديس يوحنا بولس الثاني لبنان في ذاكرة العالم بقوله التاريخي
“لبنان أكثر من بلد. إنه رسالة في الحرية والتعددية معاً، للشرق كما للغرب”.
قبل أن يكرس سابقة كنسية استثنائية، بتخصيص سينودس عام، خاص للبنان.
وهو من قال عنا قبل 40 عاماً، بأن وجود المسيحية الحرة في لبنان، شرط لاستمرارها وازدهارها في كل منطقتنا.
نحن نجزم اليوم، بأن بقاء هذا اللبنان، الحاضر كله الآن من حولكم، هو شرط لقيام السلام والأمل والمصالحة بين أبناء ابراهيم كافة.
وصولاً إلى قداسة البابا بنديكتس السادس عشر، زائر المحبة والحكمة، الذي أكّد من بيروت، أن مستقبل الشرق لا يمكن أن يُبنى إلا بالشراكة والتعددية والاحترام المتبادل. وكانت خطوته بالغة الدلالة والرمزية، بأنه لم يعلن الإرشاد الرسولي الخاص بالشرق الأوسط، إلا من لبنان.
وها نحن نستقبلكم يا صاحب القداسة رابعَ خليفةٍ لبطرس يزور وطننا، في خطوة لا تقل بلاغة في الرسالة والدلالة. إذ أردتم أن يكون لبنان، أرض زيارتكم البابوية الأولى خارج روما. فجئتم إليه مباشرة من نيقيا، من أرض قانون الإيمان، في ذكراه الألف وسبمعمئة.
لتؤكدوا مجدداً إيمانكم بنا. ولنجدد معاً إيماننا بالإنسان.
جئتم إلى أرض الكنائس التي وصفتموها بالشهيدة.
لتزرعوا فينا الرجاء، ولنحولها شاهدة على القيامة.
جئتم إلينا يا صاحب القداسة، لنقرأ في وجهكم المضيء، كلماتكم الرائعة في رسالتكم العامة الأخيرة، “لقد أحببتك”،
بأن لمس جرح مقهور على الأرض، هو كلمس جراح يسوع في التاريخ
وفي أرضنا اليوم، وأرض منطقتنا، الكثير من القهر، والكثير من المتألمين. وجراحهم تنتظر لمستكم المباركة. وتتطلع إلى سماع وإسماع صوتكم العظيم الشجاع.
صاحب القداسة، أبلغوا العالم عنا، بأننا لن نموت ولن نرحل ولن نيأس ولن نستسلم.
بل سنظل هنا، نستنشق الحرية، ونخترع الفرح ونحترف المحبة، ونعشق الابتكار، وننشد الحداثة، ونجترح كل يوم حياة أوفر …
أبلغوا العالم عنا، بأننا باقون مساحة اللقاء الوحيدة، في كل منطقتنا، وأكاد أقول في العالم كله. حيث يمكن لهذا الجمع أن يلتقي حول خليفة بطرس. ممثلين متفقين لكل أبناء ابراهيم، بكل معتقداتهم ومقدساتهم ومشتركاتهم …
فما يجمعه لبنان، لا يسعه أي مكان في الأرض.
وما يوحده لبنان لا يفرقه أحد.
بهذه المعادلة يعيش لبنان في سلام مع منطقته، وفي سلام منطقته مع العالم.
من الآن حتى يسمع المعنيون ويقتنعوا، لا خوف علينا صاحب القداسة. فبصلاتكم ودعائكم، وبإيماننا بحقنا ووطننا، باقون هنا، أبناء الرجاء. وأبناء القيامة. باقون هنا. نور الشرق ومنارته وملح أرضه. وباقون هنا، رسل محبة وخير.
فمنذ البداية وحتى النهاية، نحن تلاميذ من أوصانا ألا نخاف. وأن نثق به. لأنه بمحبته وسلامه غلب العالم.
ونحن شهود على ذلك وعاملون لتحقيقه.
عاشت المحبة
عاش السلام
عشتم يا صاحب القداسة
عاش لبنان
كلمة الحبر الأعظم البابا لاون الرابع عشر:
السيد الرئيس السّلطات المدنيّة والدّينيّة، وأعضاء السّلك الدّبلوماسي:”طﻮﺑﻰ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم. انّه ﻟﻔﺮح ﻛﺒﯿﺮ ﻟﻲ أن أﻟﺘﻘﻲ ﺑﻜﻢ وأزور ھﺬه اﻷرض، ﺣﯿﺚ اﻟﺴّﻼم هو أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﺮّد ﻛﻠﻤﺔ: اﻟﺴّﻼم هنا هو ﺷَﻮق وهو ﻣﺼﯿﺮ، وهو ﻋﻄﯿّﺔ وورﺷﺔ ﻋﻤﻞ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ داﺋﻤًﺎ. أﻧﺘﻢ ﻣﻜﻠﱠﻔﻮن ﺑﺎﻟﺴّﻠﻄﺔ ﻓﻲ ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ، ﻛﻞّ ﻓﻲ ﻣﺠﺎله اﻟﺨﺎصّ وﺑﺄدوار ﻣﺤﺪّدة. وﻣﻦ ﻣﻨﻄﻠﻖ ھﺬه السّلطﺔ، أودّ أن أوجّه إﻟﯿﻜﻢ ﻛﻼم ﯾﺴﻮع، اﻟّﺬي ﺗﻢّ اﺧﺘﯿﺎره ﻟﯿﻜﻮن ﻣﺼﺪر إﻟﮭﺎم أﺳﺎﺳﻲّ ﻟﮭﺬه اﻟﺰّﯾﺎرة: “طﻮﺑﻰ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم” (راﺟﻊ ﻣﺘّﻰ 5, 9)”.
هناك ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﻠّﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ، هنا وﻓﻲ ﻛﻞّ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﯾﺨﺪﻣﻮن اﻟﺴّﻼم ﺑﺼﻤﺖ، ﯾﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم. أﻣّﺎ أﻧﺘﻢ، اﻟّﺬﯾﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮن اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿّﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺆﺳّﺴﺎت ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ، ﻓﻠَﻜُﻢ ﺗﻄﻮﯾﺒﺔ ﺧﺎﺻّﺔ إن اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ أن ﺗُﻘَﺪِّﻣﻮا هدف اﻟﺴّﻼم ﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ﺷﻲء. أودّ، ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ھﺬا، أن أﻓﻜِّﺮ ﻣﻌﻜﻢ قليلًا ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ أن ﻧﻜﻮن ﻓﺎﻋﻠﻲ ﺳﻼم ﻓﻲ ظﺮوف ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘّﻌﻘﯿﺪ، وﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺼّﺮاﻋﺎت واﻻﺿﻄﺮاب”.
ھﻨﺎك ﻣﻼﯾﯿﻦ اﻟﻠّﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ، ھﻨﺎ وﻓﻲ ﻛﻞّ اﻟﻌﺎﻟﻢ، ﯾﺨﺪﻣﻮن اﻟﺴّﻼم ﺑﺼﻤﺖ، ﯾﻮﻣًﺎ ﺑﻌﺪ ﯾﻮم. أﻣّﺎ أﻧﺘﻢ، اﻟﺬﯾﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮن اﻟﻤﺴﺆوﻟﯿّﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ ﻓﻲ ﻣﺆﺳّﺴﺎت ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ، ﻓﻠَﻜُﻢ ﺗﻄﻮﯾﺒﺔ ﺧﺎﺻّﺔ إن اﺳﺘﻄﻌﺘﻢ أن ﺗُﻘَﺪِّﻣﻮا ھﺪف اﻟﺴّﻼم ﻋﻠﻰ ﻛﻞّ ﺷﻲء. أودّ، ﻓﻲ ﻟﻘﺎﺋﻨﺎ ھﺬا، أن أﻓﻜِّﺮ ﻣﻌﻜﻢ ﻗﻠﯿﻼً ﻓﻲ ﻣﻌﻨﻰ أن ﻧﻜﻮن ﻓﺎﻋﻠﻲ ﺳﻼم ﻓﻲ ظﺮوف ﺑﺎﻟﻐﺔ اﻟﺘّﻌﻘﯿﺪ، وﻣﻠﯿﺌﺔ ﺑﺎﻟﺼّﺮاﻋﺎت واﻻﺿﻄﺮاب”.
ﺑﺎﻹﺿﺎﻓﺔ إﻟﻰ ﺟﻤﺎل اﻟﻄّﺒﯿﻌﺔ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎن وﻏِﻨﺎه اﻟﺜّﻘﺎﻓﻲّ، اﻟﻠﺬﯾﻦ أﺷﺎد ﺑﮭﻤﺎ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﺟﻤﯿﻊ أﺳﻼﻓﻲ اﻟﺬﯾﻦ زاروا ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﺗﺘﺠﻠّﻰ ﺻﻔﺔٌ ﺗُﻤﯿّﺰ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ: أﻧﺘﻢ ﺷﻌﺐ ﻻ ﯾﺴﺘﺴﻠﻢ، ﺑﻞ ﯾﻘﻒ أﻣﺎم اﻟﺼّﻌﺎب وﯾﻌﺮف داﺋﻤًﺎ أن ﯾُﻮﻟَﺪ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﺑﺸﺠﺎﻋﺔ. ﺻﻤﻮدﻛﻢ ھﻮ ﻋﻼﻣﺔ ﻣﻤﯿّﺰة ﻻ يمكن اﻻﺳﺘﻐﻨﺎء ﻋﻨﮭﺎ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم اﻟﺤﻘﯿﻘﯿّﯿﻦ: ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ﻋﻤﻞ اﻟﺴّﻼم ھﻮ ﺑﺪاﯾﺔ ﻣﺘﺠﺪّدة وﻣُﺴﺘﻤﺮّة. اﻻﻟﺘﺰام ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺴّﻼم، وﻣﺤﺒّﺔ اﻟﺴّﻼم ﻻ ﯾﻌﺮﻓﺎن اﻟﺨﻮف أﻣﺎم اﻟﮭﺰاﺋﻢ اﻟﻈّﺎھﺮة، وﻻ ﯾﺴﻤﺤﺎن ﻟﻠﻔﺸﻞ ﺑﺄن ﯾﺜﻨﯿﮭﻤﺎ، ﺑﻞ طﺎﻟِﺐ اﻟﺴّﻼم ﯾﻌﺮف أن ﯾﻨﻈﺮ إﻟﻰ اﻟﺒﻌﯿﺪ، ﻓﯿﻘﺒﻞ ويعاﻧﻖ ﺑﺮﺟﺎء وأﻣﻞ ﻛﻞّ اﻟﻮاﻗﻊ. ﯾﺘﻄﻠّﺐ ﺑﻨﺎء اﻟﺴّﻼم ﻣﺜﺎﺑﺮة، وﺣﻤﺎﯾﺔ اﻟﺤﯿﺎة وﻧﻤﻮّھﺎ ﺗﺘﻄﻠّﺐ إﺻﺮارًا وﺛﺒﺎﺗًﺎ”.
اﺳﺄﻟﻮا ﺗﺎرﯾﺨﻜﻢ. واﺳﺄﻟﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻣﻦ أﯾﻦ ﺗﺄﺗﻲ ھﺬه اﻟﻄّﺎﻗﺔ اﻟﮭﺎﺋﻠﺔ اﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﺘﺮك ﺷﻌﺒﻜﻢ ﻗﻂّ ﯾﺴﺘﺴﻠﻢ وﯾﺒﻘﻰ ﻣُﻠﻘًﻰ ﻋﻠﻰ اﻷرض، ﺑﻼ رﺟﺎء. أﻧﺘﻢ ﺑﻠﺪ ﻣﺘﻨﻮّع، وﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻜﻮّﻧﺔٌ ﻣﻦ ﺟﻤﺎﻋﺎت، ﻟﻜﻦْ ﻣﻮﺣّﺪ ﺑﻠﻐﺔ واﺣﺪة: ﻻ أﺷﯿﺮ ھﻨﺎ ﻓﻘﻂ إﻟﻰ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺮﺑﯿّﺔ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿّﺔ اﻟتي ﺗﺘﺤﺪّﺛﻮن ﺑﮭﺎ، واﻟﺘﻲ ﻧﺜﺮت، ﻓﻲ ﻣﺎﺿﯿﻜﻢ اﻟﻨّﺒﯿﻞ، ﻵﻟﺊ ﻻ ﺗُﻘﺪﱠر ﺑﺜﻤﻦ، ﺑﻞ أﺷﯿﺮ ﺑﺼﻮرة ﺧﺎﺻّﺔ إﻟﻰ ﻟﻐﺔ اﻟﺮّﺟﺎء، اﻟﻠﻐﺔ اﻟﺘﻲ ﺳﻤﺤﺖ ﻟﻜﻢ داﺋﻤًﺎ ﺑﺄن ﺗﺒﺪأوا ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ
ﯾﺒﺪو أن ﻧﻮﻋًﺎ ﻣﻦ اﻟﺘّﺸﺎؤم واﻟﺸّﻌﻮر ﺑﺎﻟﻌﺠﺰ ﻗﺪ ﺳَﺎد ﺣﻮﻟﻨﺎ، ﻓﻲ ﻛﻞّ أﻧﺤﺎء اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺗﻘﺮﯾﺒًﺎ: وﺻﺎر اﻟﻨّﺎس ﻻ ﯾﻘﺪرون ﺣﺘّﻰ أن ﯾﺴﺄﻟﻮا أﻧﻔﺴﮭﻢ ﻣﺎ اﻟﺬي ﯾﻤﻜﻨﮭﻢ أن ﯾﻌﻤﻠﻮه ﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻣﺠﺮى اﻟﺘّﺎرﯾﺦ. وﺗﺒﺪو اﻟﻘﺮارات اﻟﻜﺒﺮى وﻛﺄﻧّﮭﺎ ﺗُﺘّﺨﺬ ﻣﻦ ﻗِﺒﻞ ﻗﻠّﺔ ﻣﻦ اﻟﻨّﺎس، وأﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺎب اﻟﺨﯿﺮ اﻟﻌﺎم، وﯾَﻈﮭﺮ ذﻟﻚ ﻛﺄﻧّﮫ ﻗﺪرٌ ﻣﺤﺘﻮم. أﻧﺘﻢ ﻋﺎﻧَﯿﺘﻢ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺗﺪاﻋﯿﺎت اﻗﺘﺼﺎد ﻗﺎﺗﻞ (راﺟﻊ اﻹرﺷﺎد اﻟﺮّﺳﻮﻟﻲ، ﻓﺮح اﻹﻧﺠﯿﻞ، 53)، وﻣﻦ ﻋﺪم اﻻﺳﺘﻘﺮار اﻟﻌﺎﻟﻤﻲ اﻟﺬي ﺧﻠّﻒ آﺛﺎرًا ﻣﺪﻣّﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﺸﺮق أﯾﻀًﺎ، وﻣﻦ اﻟﺘّﺸﺪّد وﺗﺼﺎدم اﻟﮭﻮﯾّﺎت وﻣﻦ اﻟﻨّﺰاﻋﺎت، ﻟﻜﻨّﻜﻢ أردﺗﻢ وﻋﺮﻓﺘﻢ داﺋﻤًﺎ أن ﺗﺒﺪأوا ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ”.
ﯾﻤﻜﻦ أن ﯾﻔﺘﺨﺮ ﻟﺒﻨﺎن ﺑﻤﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲّ ﻧﺎﺑﺾ ﺑﺎﻟﺤﯿﺎة، ﻏﻨﻲّ ﺑﺎﻟﻜﻔﺎءات، وﺑﺸﺒﺎب ﻗﺎدرﯾﻦ ﻋﻠﻰ أن ﯾﻌﺒّﺮوا ﻋﻦ أﺣﻼم وآﻣﺎل ﺑﻠﺪ ﺑﺄﻛﻤﻠﮫ. أﺷﺠّﻌﻜﻢ إذاً ﻋﻠﻰ أﻻّ ﺗﻨﻔﺼﻠﻮا أﺑﺪًا ﻋﻦ ﺷﻌﺒﻜﻢ، وأن ﺗﻀﻌﻮا أﻧﻔﺴﻜﻢ ﻓﻲ ﺧﺪﻣﺔ ﺷﻌﺒﻜﻢ، اﻟﻐﻨﻲّ ﺑﺘﻨﻮّﻋﮫ، ﺑﺎﻻﻟﺘﺰام واﻟﺘّﻔﺎﻧﻲ. أرجو ﻟﻜﻢ أن ﺗﺘﻜﻠّﻤﻮا ﻟﻐﺔ واﺣﺪة: ﻟﻐﺔ اﻟﺮّﺟﺎء اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻟﯿﺒﺪأوا داﺋﻤًﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ. ﻟَﯿﺖ إرادة اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻨّﻤﻮّ ﻣﻌًﺎ، ﺷﻌﺒًﺎ واﺣﺪًا، ﺗﺠﻌﻞ ﻣﻦ ﻛﻞّ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺻﻮﺗًﺎ واﺣﺪًا ﻓﻲ ﺳﯿﻤﻔﻮﻧﯿّﺔ ﻣﺘﻌﺪّدة اﻷﺻﻮات. ﻟﯿﺴﺎﻋﺪﻛﻢ أﯾﻀًﺎ رﺑﺎط اﻟﻤﻮدّة اﻟﻌﻤﯿﻖ اﻟﺬي ﯾﺸﺪّ اﻟﻠﺒﻨﺎﻧﯿّﯿﻦ اﻟﻜﺜﯿﺮﯾﻦ اﻟﻤﻨﺘﺸرين ﻓي اﻟﻌﺎﻟﻢ إﻟﻰ وطﻨﮭﻢ. إﻧّﮭُﻢ ﯾﺤﺒّﻮن وطﻨﮭﻢ اﻷﺻﻠﻲّ، ويصلّون ﻣﻦ أﺟﻞ اﻟﺸّﻌﺐ اﻟﺬي ﯾﺸﻌﺮون ﺑﺄﻧّﮭﻢ ﺟﺰء ﻣﻨﮫ، وﯾُﻌﺰّزوﻧﮫ ﺑﺨﺒﺮاﺗﮭﻢ وﻛﻔﺎءاﺗﮭﻢ اﻟﻤﺘﻌﺪّدة اﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﮭﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﺗﻘﺪﯾﺮ ﻓﻲ ﻛﻞّ ﻣﻜﺎن”.
ھﻜﺬا ﻧﺄﺗﻲ إﻟﻰ اﻟﻤﯿﺰة اﻟﺜّﺎﻧﯿﺔ ﻟﻔﺎﻋﻠﻲ اﻟﺴّﻼم: ﻓﮭُﻢ ﻻ ﯾﻌﺮﻓﻮن ﻓﻘﻂ اﻟﺒﺪء ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ، ﺑﻞ ﯾﻔﻌﻠﻮن ذﻟﻚ ﺑﺼﻮرة ﺧﺎﺻّﺔ ﺑﻄﺮﯾﻖ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ اﻟشّﺎق. ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، ھﻨﺎك ﺟِﺮاح ﺷﺨﺼﯿّﺔ وﺟﻤﺎﻋﯿّﺔ ﺗﺘﻄﻠّﺐ ﺳﻨﻮات طﻮﯾﻠﺔ، وأﺣﯿﺎﻧًﺎ أﺟﯿﺎﻻً ﻛﺎﻣﻠﺔ، ﻟﻜﻲ ﺗﻠﺘﺌﻢ. إن ﻟﻢ ﺗُﻌﺎﻟَﺞ، وإن ﻟﻢ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺷﻔﺎء اﻟﺬّاﻛﺮة، وﻋﻠﻰ اﻟﺘّﻘﺎرب ﺑﯿﻦ ﻣﻦ ﺗﻌﺮّﺿﻮا ﻟﻺﺳﺎءة واﻟﻈّﻠﻢ، ﻓﻤﻦ اﻟﺼّﻌﺐ اﻟﺴّﯿﺮ ﻧﺤﻮ اﻟﺴّﻼم. ﺳﻨُﺮاوح ﺣﯿﻨﺌﺬ ﻣﻜﺎﻧﻨﺎ، ﻛﻞّ واﺣﺪٍ أﺳﯿﺮَ آﻻﻣﮫ ورؤﯾﺘﮫ ﻟﻸﻣﻮر”.
ﻻ ﯾﻤﻜﻨﻨﺎ أن ﻧﺒﻠﻎ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ إﻻّ ﺑﺎﻟﻠﻘﺎء. ﻛﻞّ واﺣﺪٍ ﻣﻨّﺎ ﯾﺮى ﺟﺰءًا ﻣﻦ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ، وﯾﻌﺮف ﺟﺎﻧﺒًﺎ ﻣﻨﮭﺎ، ﻟﻜﻨّﮫ ﻻ ﯾﺴﺘﻄﯿﻊ أن ﯾﺴﺘﻐﻨﻲ ﻋﻤّﺎ ﯾﻌﺮﻓﮫ أو ﯾﺮاه اﻵﺧﺮ وﺣﺪه. اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ واﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﺗﻨﻤﻮان داﺋﻤًﺎ وﻓﻘﻂ ﻣﻌًﺎ: ﺳﻮاء ﻓﻲ اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ، أو ﺑﯿﻦ اﻟﺠﻤﺎﻋﺎت اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ واﻟﻤﻜﻮّﻧﺎت اﻟﻤﺘﻌﺪّدة ﻓﻲ ﺑﻠﺪٍ ﻣﺎ، أو ﺑﯿﻦ اﻟﺒﻠﺪان اﻟﻤﺨﺘﻠﻔﺔ”.
ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﮫ، ﻻ ﺗﻮﺟﺪ ﻣﺼﺎﻟﺤﺔ داﺋﻤﺔ ﺑﺪون ھﺪف ﻣﺸﺘﺮك، وﺑﺪون اﻧﻔﺘﺎح ﻋﻠﻰ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﯾﺴﻮد ﻓﯿﮫ اﻟﺨﯿﺮ ﻋﻠﻰ اﻟﺸّﺮّ اﻟّﺬي ﻋﺎﻧﻰ ﻣﻨﮫ اﻟﻨّﺎس أو ﻓﺮﺿﻮه ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮھﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺎﺿﻲ أو اﻟﺤﺎﺿﺮ. ﻟﺬﻟﻚ، ﻻ ﺗﻮﻟﺪ ﺛﻘﺎﻓﺔ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ ﻣﻦ اﻟﻘﺎﻋﺪة ﻓﻘﻂ، وﻣﻦ اﺳﺘﻌﺪاد اﻟﺒﻌﺾ وﺷﺠﺎﻋﺘﮭﻢ، ﺑﻞ ﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ اﻟﺴّﻠُﻄﺎت واﻟﻤﺆﺳّﺴﺎت اﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺮف ﺑﺄنّ اﻟﺨﯿﺮ اﻟﻌﺎم ھﻮ ﻓﻮق ﺧﯿﺮ اﻷطﺮاف. واﻟﺨﯿﺮ اﻟﻌﺎم ھﻮ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻣﺠﻤﻮع ﻣﺼﺎﻟﺢ ﻛﺜﯿﺮة: إﻧّﮫ ﯾﻘﺮّب أھﺪاف اﻟﺠﻤﯿﻊ ﺑﻘﺪر اﻟﻤﺴﺘﻄﺎع وﯾﺪﻓﻊ اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﻲ اﺗّﺠﺎه واﺣﺪ ﻟﯿُﺤﻘّﻘﻮا أﻛﺜﺮ ﻣﻤّﺎ ﻟﻮ اﺳﺘﻤﺮّ ﻛﻞّ ﻓﺮدٍ وحده”.
“ﻓﻲ اﻟﻮاﻗﻊ، اﻟﺴّﻼم ھﻮ أﻛﺜﺮ ﺑﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﺗﻮازن، داﺋﻤًﺎ ﻣﮭﻠﮭﻞ، ﺑﯿﻦ اﻟﺬﯾﻦ ﯾﻌﯿﺸﻮن ﻣﻨﻔﺼﻠﯿﻦ ﺗﺤﺖ ﺳﻘﻒ واﺣﺪ. اﻟﺴّﻼم ھﻮ أن ﻧﻌﺮف أن ﻧﻌﯿﺶ ﻣﻌًﺎ، ﻓﻲ وَﺣﺪة وﺷﺮﻛﺔ، ﻣﺘﺼﺎﻟﺤﯿﻦ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ. اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ، اﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﺢ ﻟﻨﺎ ﺑﺄن ﻧﻌﯿﺶ ﻣﻌًﺎ، وﺗُﻌَﻠِّﻤﻨﺎ أﯾﻀًﺎ أن ﻧﻌﻤﻞ ﻣﻌًﺎ، ﺟﻨﺒًﺎ إﻟﻰ ﺟﻨﺐ، ﻣﻦ أﺟﻞ ﻣﺴﺘﻘﺒﻞ ﻣﺸﺘﺮك. إذاّك، ﯾﺼﯿﺮ اﻟﺴّﻼم ﺗﻠﻚ اﻟﻮﻓﺮة اﻟﺘﻲ ﺳﺘﺪھﺸﻨﺎ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﯾﺘّﺴﻊ أﻓﻘﻨﺎ إﻟﻰ ﻣﺎ وراء ﻛﻞّ ﺣد وﺣﺎﺟﺰ”.
أﺣﯿﺎﻧًﺎ ﻧﻔﻜّﺮ ﻓﻲ انه ﻗﺒﻞ أن ﻧﺘّﺨﺬ أﯾّﺔ ﺧﻄﻮة، ﯾﺠﺐ أن ﯾﺘﻢّ ﺗﻮﺿﯿﺢ ﻛﻞّ ﺷﻲء، وﺣﻞّ ﻛﻞّ ﺷﻲء، ﻟﻜﻦ اﻟﻤﻮاﺟﮭﺔ اﻟﻤﺘﺒﺎدﻟﺔ، ﺣﺘّﻰ ﻓﻲ ﺣﺎﻟﺔ ﺳﻮء اﻟﻔﮭﻢ، ھﻲ اﻟﻄّﺮﯾﻖ اﻟﺘﻲ ﺗﺆدّي إﻟﻰ اﻟﻤﺼﺎﻟﺤﺔ. اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ اﻟﻜﺒﺮى ھﻲ أﻧّﻨﺎ ﻧﺠﺪ أﻧﻔﺴﻨﺎ ﻣﻌًﺎ ﻣﻨﻐﺮﺳﯿﻦ ﻓﻲ ﻣﺨﻄّﻂ أﻋﺪّه ﷲ ﻟﻜﻲ ﻧﺼﯿﺮ فيه ﻋﺎﺋﻠﺔ”.



