
الدروز ولاء راسخ وهوية متجددة
خاص بِكَفّيكم: الموحدون الدروز: إخلاصٌ لا يتزعزع، وثقافة يُساء فهمها
ورد في أدبيات التوحيد: “أن تكون موحّداً يعني أن تسلك دربًا من الولاء المقدس، وأن تكون درزياً يعني أن تكون الأمين على تلك الثقافة”..
كتب د. خطار حاطوم؛ الدرزية ليست مجرد إنتماء إجتماعي لقبيلة او لطائفة كمن ينتمي إلى حزبٍ أو تيار. بل مسار روحي أي “مسلك” يتطلب الانضباط… أي “الإلتزام” والغموض و”التقيّة” ووضوحًا أخلاقيًا نادرًا.
وعندما يُشار اليوم إليهم يذهب الفكر إلى تلك الفرقة الناجية التي نادت بوحدانية الخالق أي وحدة الحق ووحدة الوجود.
“الموحدين الدروز” هم قوم أتوا من شتى أصقاع آسيا وأفريقيا، تاركين خلفهم أحزان اضطهاد دام لعشرات السنوات وهي ما أشار إليها المؤرخون “محنة الدروز”. فما إن وصلوا إلى المناطق المغلقة بين الجبال في لبنان وسوريا وفلسطين والاردن حتى بدأوا بعمليات بناء حضارتهم الزراعية أو ما عرف بإسم “حاضرة بلاد التيم”، تيمناً بالقبيلة التي انحدروا منها وهي قبيلة “تيم الله بن ثعلبة”… تلك القبيلة التي ستكون الجذر اللغوي والتاريخي لمنطقة وادي التيم في لبنان اليوم..
وعاش الموحدون الدروز عبر عشرة قرون في هدوء قلق، انما بكرامة وراء تلك التلال اللبنانية والسورية والفلسطينية فكانوا “حماة الثغور”… هم قلّة في العدد، لكنهم أصحاب ثقافة متجذّرة في الولاء؛ ولاء ليس للإيديولوجيا أو الشعارات، بل للأرض التي يعيشون عليها وللامانة التي يخبئونها في صدورهم.
الدروز ولاء راسخ وهوية متجددة، أينما استقرّوا، حملوا معهم التزامًا بالخدمة والولاء والانتماء. فهم ينخرطون في المجتمع المدني ويشكلون الدعامة الأساسية لفكرة بلدهم الأم ويحافظون على نسيجهم الانساني والاجتماعي. فولاؤهم ما كان للسياسات المتقلبة، بل للتربة التي تحت أقدامهم، شهادة على ثباتهم وتمسكهم بالأرض.
الدروز ولاء صامت وشجاعة خالدة…
في منطقة تتحوّل فيها الهوية كثيرًا إلى أداة للصراع، يقدّم الدروز نموذجًا آخر: نموذج الجذور العميقة والمرونة والصمود. فهم لا يخونون، بل يثبتون، ويؤكدون عبر التاريخ أنّ الولاء الصامت قد يكون أبلغ من الصخب السياسي.
على عكس معظم الأديان، لا تقوم العقيدة الدرزية على الطقوس العلنية، بل على عهد هادئ بين الروح والخالق. يتجسّد هذا العهد في تفاصيل الحياة اليومية: في اللطف مع الآخرين، وفي الخدمة المجتمعية، وفي احترام القيم الأخلاقية. يؤمن الدروز بأن الروح خالدة ومتطورة، تعبر الأجيال بحثًا عن الوحدة مع العقل الكوني. كل حياة هي فرصة جديدة لصقل الأخلاق، وتعميق الحكمة، وخدمة الجماعة. ومن هنا تنشأ ثقافة التواضع والمسؤولية والقوة الصامتة.
أن تكون درزيًا يعني أن تقدّم شيئًا نادرًا: عمقًا روحيًا، وعيشًا أخلاقيًا، وولاءً لا يتزعزع للأرض التي تحتضنهم. لهم الحق في أن يؤمنوا بما يشاؤون، وأن يعيشوا وفق قناعاتهم.
الدروز أحرار، وسيبقون أحرارًا، أوفياء لمبادئهم، ومتمسكين بتراثهم، ومكتسبين احترام الآخرين بثباتهم وصدقهم. وفي عالم يبحث عن أمثلة للتوازن بين الهوية والعيش المشترك، يقدّم الدروز درسًا خالدًا في الولاء الذي لا يُشترى والإيمان الذي لا ينكسر… والشجاعة في الدفاع عن أنفسهم، وعزة النفس.
إقرأ ايضًا: مشروع إسرائيلي جديد… بوجه “متحضّر” وأهداف استعمارية مموّهة



