مشروع إسرائيلي جديد يهدد سيادة لبنان
نغم يحيى؛ خاص بِكَفّيكم: مشروع إسرائيلي جديد… بوجه “متحضّر” وأهداف استعمارية مموّهة
لا تزال إسرائيل تبتكر وسائل جديدة لتعزيز نفوذها الإقليمي، متّبعة أساليب أكثر دهاءً ونعومة من ذي قبل. فبدلاً من القفز المباشر إلى الواجهة، نشهد اليوم تحركات مموّهة تُخفي خلفها أطماعًا توسعية قديمة بثوب جديد.
إحدى هذه المحاولات تتجلّى في تسويق شخصية أحمد الشرع، المعروف سابقًا بانخراطه في تنظيمات إرهابية كـ”جبهة النصرة”، كوجه سياسي “معتدل” يُفترض أن يقود مرحلة انتقالية في سوريا. هذا التلميع لا يأتي من فراغ، بل هو ثمرة خطة ممنهجة ساهمت في صياغتها دوائر استخباراتية غربية، كما أشار السفير الأميركي السابق لدى سوريا، روبرت فورد، الذي لفت إلى دور دبلوماسيين وخبراء أمنيين في إعادة تشكيل صورة الشرع و تدريبه لنقله من عالم الإرهاب إلى عالم السياسة.
لكن المريب في هذا السيناريو هو السرعة اللافتة التي انهار بها النظام السوري في بعض المناطق، رغم سنوات من القمع العنيف للمدنيين. فكيف لنظام اعتاد البطش أن يتراجع فجأة من دون مقاومة حقيقية؟ وكيف يظهر الشرع بعد ذلك كـ”منقذ” مقبول دوليًا، دون أي محاسبة على ماضيه الدموي؟
مشروع يستهدف الأقليات… والدروز أولًا
فإسرائيل، التي لطالما استثمرت في الانقسامات الداخلية بين الشعوب العربية، تسعى اليوم إلى تسويق شخصية أحمد الشرع بلباس مدني حضاري، وكأنه نقيضٌ للتطرف والإرهاب، بينما في الحقيقة يتم إعداده كشريك استراتيجي لمشروع يستهدف الأقليات، وخصوصًا الطائفة الدرزية في سوريا.
فقد ترافقت عودة الشرع مع أحداث مشبوهة في السويداء، من بينها افتعال هجمات وعمليات ترهيب بحق المدنيين، ما أدى إلى سقوط ضحايا دروز. هذه الفوضى خُلقت عمدًا لتهيئة المشهد لمرحلة جديدة تظهر فيها إسرائيل بمظهر “المنقذ” الوحيد للطائفة الدرزية، خاصة بعد أن عبّر العديد من دروز سوريا عن رفضهم المطلق لأي طرح لانضمام أراضيهم إلى إسرائيل. ومع تفاقم الوضع الأمني، قد يُدفع أبناء هذه الطائفة إلى القبول بالأمر الواقع وطلب الحماية من إسرائيل.
وقد تسرّبت معلومات عن لقاءات سرية بين قادة ميدانيين سابقين، بينهم أبو محمد الجولاني، وجهات إسرائيلية، تم خلالها بحث سيناريو ضم السويداء لإسرائيل مقابل تسهيلات لضم مناطق لبنانية إلى ما يُعرف بسوريا الجديدة تحت حكم الشرع.
لبنان ليس بمنأى عن هذا المشروع
المشروع لا يقتصر على سوريا وحدها، بل يتمدّد ليشمل لبنان، وفق معطيات يتم تداولها في أوساط دبلوماسية وأمنية. فقد تلقى الشرع، بحسب مصادر مطّلعة، وعودًا بضم طرابلس إلى سوريا مقابل الدفع باتجاه خطة سياسية تستهدف الدولة اللبنانية، تبدأ بمحاولة نزع الغطاء عن سلاح حزب الله، وتنتهي بفتح الباب أمام احتلال إسرائيلي مباشر أو غير مباشر في الجنوب، بحجة استعادة الأمن أو منع التصعيد.
أمام هذه التطورات، تطرح أسئلة مقلقة:
هل نحن أمام سيناريو تقسيم ناعم للبنان؟
هل يُستخدم ضعف الدولة الحالية كورقة ضغط لتسويق حلول تمسّ السيادة الوطنية؟
المؤشرات تفيد أن لبنان، في حال لم يذعن للضغوط الخارجية وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، سيكون مهددًا بأحد خيارين خطيرين:
إما عزل اقتصادي تام يشمل وقف المساعدات وفرض عقوبات،
أو فرض أمر واقع عبر تدخلات عسكرية وأمنية من قوى إقليمية ودولية.
ماذا على الدولة أن تفعل؟
- في ظل هذه المخاطر، لم يعد مقبولًا استمرار حالة التردّد والشلل. المطلوب:
- تقوية الجيش اللبناني وتسليحه بفعالية ليكون الجهة الأمنية الوحيدة المخوّلة بالحفاظ على السلم الأهلي.
- حصر السلاح بيد الدولة فقط، تفاديًا لتحوّل الساحة الداخلية إلى ساحة صراعات تخدم أجندات خارجية.
- تشديد الحماية على الحدود الشمالية والشرقية للحد من عمليات التهريب والتسلّل التي قد تُستغل لتنفيذ أجندات مشبوهة.
ملف النزوح السوري: خطر داهم لا يمكن تجاهله
لم يعد النزوح السوري ملفًا إنسانيًا فقط، بل تحوّل إلى عبء أمني واقتصادي يهدد الاستقرار الداخلي. في ظل تقارير عن وجود مجموعات مسلحة بين بعض النازحين، ومع تدهور البنى التحتية اللبنانية، بات اتخاذ قرار جريء وحاسم بإعادتهم إلى بلادهم — عبر آلية منظمة تحترم كرامتهم وتضمن أمن لبنان — أمرًا لا يحتمل المزيد من التأجيل.
سيادة الأوطان لا تُجزّأ
ما يجري ليس صدفة، بل جزء من مشروع جيوسياسي لإعادة رسم خرائط المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل على المدى البعيد، من خلال تفتيت الدول وإضعاف هياكلها.
لكن رغم كل ما سبق، لبنان لم يفقد فرصته بعد. بإمكانه أن ينجو إن توفّر الوعي الوطني والموقف السياسي الموحد الرافض للوصايات والصفقات المشبوهة.
صوت الشعب، في نهاية المطاف، هو خط الدفاع الأخير.
شعب يريد أن يعيش بكرامة، في وطن حرّ، سيد، مستقل.
لا للتقسيم، لا للتطويع، لا للتطبيع.