الموقوفون السوريون أزمة تهدد اقتصاد لبنان
شيماء الخطيب؛ خاص بِكَفّيكم: بين الإرهاب والانهيار الاقتصادي: مصير لبنان رهن ملف السجناء السوريين!
يبدو أنّ الضغط الدولي على لبنان يأتي من كلّ حدبٍ وصوب؛ ففي كلّ مرّة يحاول هذا البلد التقاط أنفاسه بعد الخروج من أزمة، يدخل في نفق مظلم لا يعرف كيف ومتى ينتهي.
وفي خضمّ أزمة التهديدات الإسرائيلية والأميركية، والانقسامات الداخلية الحاصلة في بلد أنهكته المشاكل، ظهر ملف الموقوفين السوريين من جديد. بين الإرهاب والسياسة والاقتصاد، هل يسلّم لبنان هؤلاء للسلطة السورية الجديدة؟
السلطات السورية تهدد بإغلاق جميع المعابر البريّة مع لبنان؟!
انتشرت في الفترة القصيرة الماضية، أخبار عديدة أثارت جدلًا واسعًا على الساحتين اللبنانية والسورية. قامت بعض وسائل الإعلام السورية بنقل معلومات عن توتر بين دمشق وبيروت بسبب ملف الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية.
وأضافت التقارير أنّ الإدارة السورية الجديدة تتّجه نحو خطوات تصعيدية منها: فرض قيود على حركة الشاحنات المتجهة من لبنان إلى سوريا، إغلاقٌ كاملٌ للمعابر البرية مع لبنان وإعادة النظر في التعاون الأمني عند الحدود بين البلدين.
هذا الأمر سبّب نوعًا من البلبلة التي استدعت تواصلًا من قبل السلطات اللبنانية مع نظيرتها السورية، للتأكد من صحة المعلومات. وعليه، نفت وزارة الإعلام السورية هذه الأخبار جملةً وتفصيلًا، إلّا أنّها شددت على ضرورة العمل لمعالجة هذا الملف.
في السياق نفسه، أشارت بعض المعلومات إلى أنّ الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، اتهم الدولة اللبنانية بالتلكؤ في حلّ هذا الملف، خلال الزيارة الأخيرة لمفتي الجمهورية، عبد اللطيف دريان، إلى دمشق. ولكن سرعان ما نفتها المصادر المعنيّة والمطّلعة على تلك الزيارة.
الجانب اللبناني مستعدّ للتعاون والاقتراحات جاهزة ولكن…
أخيرًا، خرج وزير العدل اللبناني، عادل نصار، عن صمته وعلّق على هذا الموضوع، قائلًا إنّ الوزارة تعمل على موضوع تسريع المحاكمات. وأشار إلى أنّ الدولة اللبنانية فتحت قاعة في سجن رومية لتسريع المحاكمات، موضحًا أنّ الموضوع ليس متعلقًا بالسوريين فقط بل بجميع الموقوفين.
وكشف نصار أنّه أبلغ رئيس الحكومة، نواف سلام، قبيل ذهابه إلى سوريا ولقائه بالشرع، أن ينقل للجانب السوري اقتراحًا أعدّه ينصّ على أن يقضي الموقوفون السوريون فترة محاكمتهم في سوريا. إلّا أنّه ومنذ ذلك الحين، لم يتلقَّ الجانب اللبناني أي تعليق أو رسالة من الجانب السوري بخصوص هذا الملف. ولكن هل هذا الأمر ممكنًا؟
الجواب لا. يقول الخبراء القانونيون أنّه بحسب الاتفاقية القضائية التي تم توقيعها بين البلدين عام 1951، لا يمكن نقل أي مسجون من لبنان إلى سوريا قبل محاكمته. كما أنّ الموقوفين بجرائم إرهابية ارتكبوها في الأراضي اللبنانية يجب أن ينهوا محاكمتهم في لبنان. يضيف هؤلاء أنّ نقل الموقوفين السوريين من لبنان يحتاج إلى توقيع اتفاقية جديدة لإتمام الأمر. ويبقى السؤال: ماذا لو لم يتمّ حلّ هذا الملفّ؟ هل تصبح الشائعات حقيقة؟
سوريا هي الشريان الحيوي للبنان وفقدان التعاون الأمني يسبّب كارثة!
الموقوفون السوريون أزمة تهدد اقتصاد لبنان
إغلاق المعابر البرية بين لبنان وسوريا خطوة ذات تداعيات اقتصادية عميقة، لا سيما أن هذه المعابر تشكل شريانًا حيويًا لحركة التبادل التجاري بين البلدين. إذ قُدّرت الصادرات اللبنانية إلى سوريا بحوالي 370 مليون دولار سنويًا عام 2023. أي ما يمثل ما بين 2.8% إلى 9.6% من إجمالي الصادرات اللبنانية، بحسب بيانات البنك الدولي ومنصات التجارة العالمية. هذه الأرقام تعكس أهمية السوق السورية كمصدر لتصريف المنتجات اللبنانية، خصوصًا الزراعية والصناعية منها.
في حال تمّ الإغلاق الكامل، فإن لبنان سيخسر منفذًا بريًا أساسيًا ليس فقط إلى سوريا، بل إلى الأسواق العربية الأخرى مثل الأردن والعراق والخليج. وقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع كبير في كلفة الشحن والتصدير… وتحديدًا للسلع ذات الهامش الربحي المحدود، مما يُضعف تنافسية المنتجات اللبنانية في الخارج.
على صعيد الواردات، تعتمد بعض المناطق اللبنانية، خاصة القريبة من الحدود، على استيراد سلع استهلاكية وزراعية منخفضة التكلفة من سوريا. لذلك، سيؤدي الإغلاق إلى ارتفاع أسعار هذه السلع محليًا، مما يزيد من الضغوط التضخمية، خصوصًا في بيئة اقتصادية تعاني أصلًا من فقدان الاستقرار النقدي.
خلاصة القول، إنّ الإغلاق الكامل قد يؤدي إلى خسائر كبيرة في الاقتصاد اللبناني، لا سيما في قطاعات الزراعة، والصناعة، والنقل وغيرها.
أمّا في ملف التعاون الأمني، إذا قررت سوريا تعليق التعاون، قد يؤدي ذلك إلى مخاطر كبيرة على الحدود الشرقية للبلاد… أبرزها انتشار الجماعات الإرهابية واحتمال حصول هجمات إرهابية عديدة. وهنا لا يمكن أن ننسى أنّه بالرغم من التنسيق الأمني الحالي… نشهد كلّ يوم توقيفات لخلايا إرهابية تابعة لداعش وغيرها على الأراضي اللبنانية، فكيف إن فُقد هذا التعاون؟
إذًا، ملف الموقوفين السوريين في لبنان ليس ملفًا قضائيًا عابرًا، بل هو ملف سياسي، وأمني، واقتصادي، وفشل معالجته قد يوصل البلاد إلى عواقب وخيمة لا يحتملها. فهل ينجح العهد الجديد في انتشال لبنان من موت محقّق؟